في عالم أصبح فيه الفضاء الرقمي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات تعج بالصراعات والانفعالات المتطرفة، حتى بات "الحليم حيران" في خضم هذه الفوضى العارمة.
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات تعج بالصراعات والانفعالات المتطرفة، حتى بات "الحليم حيران" في خضم هذه الفوضى العارمة.
ما كان يُنظر إليه في البداية كمنصة للحوار والتواصل وتبادل الأفكار، أصبح اليوم ساحة للجدل الحاد، والتضليل الإعلامي، والتلاعب بالمشاعر الجمعية.
إن ما يميز مواقع التواصل الاجتماعي أنها متاحة للجميع دون أي قيود حقيقية على المحتوى الذي يُنشر فيها، ورغم أن هذه الحرية تُعدّ من أعمدة الديمقراطية الرقمية، إلا أنها انزلقت إلى حالة من الفوضى الفكرية التي جعلت من الصعب على المتابع العادي أن يميز بين الحقائق والشائعات؛ فكل شخص اليوم لديه منصة، وكل رأي - مهما كان سطحياً أو متطرفاً - يجد من يشاركه ويضخمه، ووسط هذه الضوضاء، يجد صاحب الفكر المتزن والحوار الهادئ نفسه ربما غريباً، بل مستهدفاً من قبل جموع الغاضبين الذين لا يقبلون سوى التصفيق لمواقفهم.
وفي خضم ذلك كله، تحولت الحقيقة في عصر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجرد خيار ثانوي أمام رغبة البعض في الشهرة والتأثير السريع، حيث لم يعد المهم هو المعلومة الصحيحة، بل مدى انتشارها وقدرتها على إثارة الجدل وأصبحت "الترندات" وسيلة لصنع نجوم افتراضيين، بغض النظر عن مضمون ما يقدمون أو مصداقيتهم، وهو ما أدى إلى تراجع القيم الحقيقية للنقاش، واستبدالها بثقافة "الصوت العالي" والتفاعل السطحي.
إن من أخطر ما أفرزته هذه الفوضى هو حالة الاستقطاب الحاد التي تعيشها المجتمعات اليوم، كما لم يعد هناك مجال للنقاش العقلاني أو التفاهم المشترك، بل أصبح كل شيء إما أبيض أو أسود، (مع أو ضد)، من دون أي مساحة للرمادي أو الحلول الوسطية، وهذا الاستقطاب تغذيه الخوارزميات التي تروج لما يتوافق مع آرائنا فقط، مما يجعل المستخدم محاصراً داخل “فقاعة معلوماتية” لا يرى خارجها، فيزداد تعصبه وانغلاقه على أفكاره، وحده، ووحده فقط.
السؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن استعادة العقلانية والاتزان في هذا الفضاء المزدحم بالفوضى؟
لا شك أن الحل يبدأ من الأفراد أنفسهم، عبر تعزيز التفكير النقدي، والتعامل بحذر مع المعلومات المتداولة، وتجنب الانجراف وراء الإثارة اللحظية، فضلا عن التطبيق السليم للقانون للحد من انتشار الأخبار المضللة، وإعادة التوازن إلى آليات عرض المحتوى بحيث لا يكون الأكثر إثارة هو الأكثر انتشاراً، وحتى لا يبقى الحليم حيراناً مستسلماً للفوضى والضوضاء غير العقلانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة