أوروبا التي توقفت عند "الإشارة الحمراء" لقوتها الناعمة باتت تنتظر "الإشارة الخضراء" للمرور في رحاب الطريق الصيني في تحول استراتيجي مهم.
وسط زحمة الأحداث المتلاحقة يشهد عام 2019 تحولات تفتح الطريق أمام "القرن الآسيوي" الذي يقوده التنين الصيني والفيل الهندي، في وقت فتح فيه "الغياب الاستراتيجي"، أبواب الاستنزاف أمام القوى العظمى التقليدية.
ففي الحي الصيني والهندي، من القرية الكونية بات المشهد مختلفا عما يجري في الحي الأوروبي والأمريكي؛ ففي المشهد الأمريكي بات الانكفاء الاستراتيجي محيرا ومربكا منذ عهد باراك أوباما، فيما أصبحت أوروبا هي "الرجل المريض" في الوقت الذي تواجه فيه تحديا وجوديا.
فمن مسرحية "بريكست" البريطانية المتدثرة بغطاء استثارة المشاعر الوطنية، إلى قاموس سياسي جديد ألهب الساحة السياسية بألفاظ "اضطرابات" و"انقسامات" مرورا بأزمات من صعود اليمين القومي المتطرف، وأجواء اقتصادية متردية أججت حراك "السترات الصفراء" التي أشاحت بـ"البطاقة الصفراء" وربما "الحمراء" أمام أنظمة كانت تمثل القوة في القارة العجوز التي تعيش واقعا ينذر بمخاطر الانفصال والتفكك.
لقد بات مركز الثقل العالمي يتجه من الغرب إلى الشرق وخاصة الشرق الآسيوي، فيما يطلق عليه "القرن الآسيوي" كما يراه كتاب "التوجه نحو الشرق صعود آسيا وانحدار أمريكا" الذي يرى الصعود الصيني ليس تحديا فقط، ولكنه واقع في تحول القوة الدولية وثمرة عملية تاريخية طويلة لن تخرج عن مسارها
أوروبا التي توقفت عند "الإشارة الحمراء" لقوتها الناعمة، باتت تنتظر "الإشارة الخضراء" للمرور في رحاب الطريق الصيني، في تحول استراتيجي مهم خلال 2019 ربما يغير خريطة القوى خلال سنوات قليلة مقبلة.
فطريق التنين الصيني ربما يشق عقل أوروبا وجسدها ويجذبه نحو بكين التي وقعت اتفاقيات تعاون مع 16 دولة أوروبية ليضمها إلى ترسانة القوة الناعمة الصينية التي باتت تضم نحو 123 دولة.
ومبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقت في أواخر 2013 لتحقيق التكامل التجاري بين القارات القديمة الثلاث عبر الشرق الأوسط، يطوق أوروبا ويجذبها بعيدا عن الطرف الأمريكي، بل ينسج خيوط تحالف روسي ألماني صيني تمثل ولادته تحديا كبيرا لبلاد العم سام. ويزيد التحدي ما تردد مؤخرا بأن أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ستكون وجهة محتملة لطريق الحرير الجديد، بعد أن وصفت بكين منطقة الكاريبي بأنها امتداد طبيعي لطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين.
ومن أزقة طريق الحرير الصيني إلى أودية السليكون استطاعت بكين التي تناطح بوادي السليكون الخاص بها، أن تهيمن على نحو 48% من إجمالي تمويل الذكاء الاصطناعي العالمي، متفوقة على واشنطن، مؤكدة العزم على أن تصبح مركز الذكاء الاصطناعي والابتكار العالمي بحلول عام 2030.
وفي تحول له دلالته الاقتصادية والتقنية عالميا، تجاوزت مبيعات "هواوي" الصينية منافستها الأمريكية "أبل" التي تجاوزت قيمتها السوقية تريليون دولار في الربع الأول من 2019.
وتكشف الأرقام عن قوة الاقتصاد الصيني الذي تضاعف حجمه أكثر من 42 مرة خلال 37 عاما، ليقفز حجم الناتج المحلي الإجمالي من 305 مليارات دولار في 1980 ليتجاوز 15 تريليون دولار حاليا متجاوزا ما تنتجه 19 دولة أوروبية ويتوقع أن يصل حجمه إلى 51 تريليون دولار بحلول عام 2040.
وحتى مع الكشف عن مزايا حقيقية لظاهرة التغير المناخي في منطقة القطبين، عبر الإعلان عن فتح ممرات جديدة بحريا للشحن أقل خطورة والموارد الطبيعية الكامنة في منطقة القطب الشمالي توفر مليارات الدولارات أعلنت الصين أنها ستكون "قوة قطبية".
ومن ورثة ماو إلى ورثة غاندي ستصبح الهند خلال أشهر قليلة صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم خلال حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ويتوقع في 2030 أن تصبح الهند في المرتبة الثالثة في الترتيب الاقتصادي العالمي.
وإلى رحم الفضاء حيث تم إعلان ولادة العملاق الهندي خلال 2019؛ حيث أعلنت الهند تدمير قمر اصطناعي على مدار منخفض لتصبح الدولة الرابعة بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين التي نفذت مثل هذا الإنجاز. وباتت الهند وجهة المهمات الفضائية منخفضة التكلفة بعد أن تمكنت قبل عامين من تحقيق رقم قياسي بإطلاق 104 أقمار صناعية في مهمة واحدة.
لقد بات مركز الثقل العالمي يتجه من الغرب إلى الشرق وخاصة الشرق الآسيوي، فيما يطلق عليه "القرن الآسيوي" كما يراه كتاب "التوجه نحو الشرق صعود آسيا وانحدار أمريكا" الذي يرى الصعود الصيني ليس تحديا فقط، ولكنه واقع في تحول القوة الدولية وثمرة عملية تاريخية طويلة لن تخرج عن مسارها حتى لو عانت بكين من نكسة اقتصادية أو سياسية مؤقتة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة