الهندسة الجيولوجية الشمسية.. فرصة أخيرة لمكافحة الاحتباس الحراري
في ظل غياب الحلول الفعالة لخفض الانبعاثات، طرح علماء الهندسة الجيولوجية الشمسية فرضيات قد تمثل فرصا أخيرة لمكافحة الاحتباس الحراري.
وترتكز فرضيات هؤلاء العلماء على ثلاثة مشاريع لتبريد الأرض عن طريق الهندسة الجيولوجية.
ويعني هذا المجال المثير للجدل بشكل أساسي باكتشاف قدرة البشر على التعامل مع مقدار الإشعاع الشمسي المنعكس إلى الفضاء وأيضا كيفية إبطاء درجة الاحترار العالمي.
قوة البراكين
الفرضية الأولى جرى استخلاصها مما تم في يونيو/ حزيران 1991 حيث وقع ثاني أكبر ثوران بركاني في القرن عندما ثار بركان جبل بيناتوبو في الفلبين.
وقد أدى ذلك إلى إطلاق أطنان من الرماد والغاز صوب الغلاف الجوي، وقد تحركت لمسافات بعيدة، ما أسفر عن تبريد الأرض بنحو نصف درجة مئوية في الأشهر التالية، الأمر الذي أثار دهشة العلماء .
ومع تفسير الواقعة يمكن معرفة السبب في ذلك، إذ عكست جزيئات صغيرة في الهواء تسمى "الهباء الجوي" جراء ثوران البركان مزيدا من أشعة الشمس إلى الفضاء مقارنة بالظروف العادية.
وقد نجم عن هذا انخفاض ظاهرة الاحتباس الحراري، لذا يرى العلماء مثل كيث أن هناك إمكانية لتقليد هذا الأمر بشكل مصطنع عن طريق حقن جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير، بمعنى إدخال رذاذ الكبريت في الستراتوسفير على بعد ما بين 15 و50 كيلومترا فوق سطح الأرض.
وعلى وقع هذا، سوف تتحد جزيئات الهباء الجوي مع جزيئات الماء ما يسفر عنه عكس المزيد من أشعة الشمس أكثر من المعتاد في غضون عام أو ثلاثة أعوام، بيد أن هذا الأمر منطقه الاعتبارات النظرية وليس العلمية.
وفي ذلك، يقول ديفيد كيث الباحث في جامعة هارفارد ومن أبرز الباحثين في مجال الهندسة الجيولوجية الشمسية أو ما يطلق عليه أيضا "هندسة المناخ" إنه "إذا قمت بتوزيع "الهباء الجوي" من الشمال إلى الجنوب والشرق والغرب في طبقة الستراتوسفير قد يمكن تقليل العديد من المخاطر المناخية التي قد تشمل توافر المياه والتغيرات في درجات الحرارة بما في ذلك ارتفاع درجة الاحترار العالمي".
بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ يتعين حقن جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير على مدى عقود وعلى مساحة كبيرة من أجل تبريد الأرض بشكل دائم.
كذلك ينطوى على هذه النظرية التي يتم اختبارها حتى الآن مخاطر كبيرة، إذ يخشى بعض العلماء من أن يؤدي حقن جزيئات الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير إلى زيادة الظروف المناخية القاسية أو هطول أمطار حمضية أو إلحاق الضرر بطبقة الأوزون.
رغوات صناعية
ورغم أن هذا المشروع قد يبدو ضربا من الخيال، بيد أن بعض العلماء قاموا بالسعي لإيجاد طريق لتبريد الأرض عن طريق تغطية أجزاء كبيرة من المحيطات بما يطلق عليه "الرغوات الصناعية" في عملية تُعرف باسم "الرغوة المحيطية أو الفقاعات الدقيقة".
وتغطي المحيطات 70 بالمائة من مساحة الأرض، بيد أن الماء الذي غالبا ما يكون داكنا بسبب أعماق المحيطات الكبيرة لا يعكس سوى القليل من أشعة الشمس ويمتص ويخزن الكثير من حرارة الشمس.
وفي ذلك، يرى العلماء أنه كلما تم تخفيف سطح المحيطات، قل ارتفاع درجة الحرارة على السطح في عملية تعرف باسم "تأثير الوضاءة" أي القدرة الكبيرة على عكس أشعة الشمس.
ومن الناحية النظرية، بمقدور هذه الرغوات عكس أشعة الشمس بمعدل 10 مرات أكثر من أسطح المياه الداكنة وفي حالة وجود كميات كبيرة من هذه الرغوات قد يمكن تبريد الأرض بمقدار 0.5 درجة مئوية، فيما اقترح بعض العلماء أنه يمكن تحريك الرغوة بمساعدة سفن لمساعدة في نشر هذه الرغوات في مناطق مختلفة من المحيط.
ورغم هذا، لا يزال الكثير من الغموض يكتنف تطبيق هذه النظرية التي تعد حلا إلى حد كبير غير قابل للتحقيق، إذ لا يُعرف حتى الآن التأثير الذي قد تتسبب فيه وجود هذه الرغوات على سطح المحيطات خاصة تأثيرها على الكائنات البحرية.
طلاء المدن
ربما يكون طلاء المدن باللون الأبيض هو الحل الأسهل رغم محدوديته، فمع ارتفاع درجات الحرارة في العديد من مدن العالم خلال الصيف، كما يحدث في مدينة نيويورك التي ترتفع درجات الحرارة بها بحوالي 1-3 درجات مئوية مقارنة بالمدن المحيطة بها وفي بعض الأيام تجاوزت درجة الحرارة بها أكثر من 12 درجة مئوية قام علماء المناخ بتحليل الأمر.
ورأى العلماء أن السبب وراء ذلك وجود ناطحات سحاب داكنة اللون ومنازل ذات ألوان داكنة فضلا عن الشوارع والأرصفة ذات الألوان القاتمة ما يزيد من تسخين الجو بسهولة وبمقدار أكبر مقارنة بالمناطق ذات مساحات خضراء.
وانطلاقا من هذه الطريقة الطبيعية لتقليل تسخين الجو، يمكن للإنسان استلهام الحل في تبريد الأرض عن طريق طلاء المنازل والأسطح باللون الأبيض لتعكس أشعة الشمس إذ إن السقف الأبيض يكون أبرد بحوالي 30٪ عن السقف داكن اللون.
وقد تبدو هذه الفكرة بسيطة ورخيصة في الوقت نفسه لكن شريطة أن يتم تبني هذه الاستراتيجية في أنحاء العالم من أفريقيا إلى منطقة الشرق الأوسط وحتى المناطق الأوروبية للحفاظ على خفض درجات الحرارة.
وتوضح سونيا سينيفيراتني -عالمة المناخ في معهد زيورخ للتكنولوجيا في سويسرا- ذلك بقولها إنه "يمكن خفض درجات الحرارة على نطاق محلي بمقدار درجة واحدة، ومن الواضح أن هذا رقم متوسط، لكن في الأيام شديدة الحرارة عندما تزداد أشعة الشمس فإن التأثير سيكون أكبر".
ويبدو أن هذه الفكرة قد حققت بعض النجاحات إذ عمدت مبادرة "الأسطح الباردة" في مدينة نيويورك إلى طلاء أكثر من مليون متر مربع من مساحة الأسطح في المدينة منذ عام 2009.
ولم تبرد هذه الأسطح البيضاء المنازل والشوارع فحسب، بل أيضا وفرت الطاقة إذ ساعدت على تقليل استخدام أجهزة التكييف. ويقدر العلماء أنه إذا تم طلاء جميع الأسطح والأرصفة في جميع أنحاء العالم باللون الأبيض فقد يمكن أن يقلل ذلك نسبة انبعاثات تتساوى بما تصدره 700 محطة طاقة متوسطة الحجم تعمل بالفحم.
على الرغم من أن طلاء المدن باللون الأبيض سيكون له تأثيراً محدوداً فقط على مناخ هذه المدن، لكنه لا يحمل في طياته أي آثار جانبية خطيرة فضلا عن أنه تم تبني هذه النظرية من قبل وجرى تطبيقها كما حدث في نيويورك.
ورغم الانقسام بين العلماء حيال ما يراه كيث من أن "هندسة المناخ" تمثل الحل الأمثل لتبريد الارض، إلا أن هناك حالة إجماع بين العلماء على ضرورة تقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في أسرع وقت ممكن بل وإيجاد طرق للتكيف مع تغير المناخ على المدى الطويل ولذلك لأن هندسة المناخ - حتى في حال الاعتماد عليها - لن تكون قادرة على عكس الاحتباس الحراري العالمي بشكل كامل.