الحقيقة الواضحة، التي تنطلق منها القمة الأممية للمناخ "كوب 26" في غلاسكو، تكمن في أنّ خطر التغير المناخي واقعٌ لا يمكن التغاضي عنه.
إذ لا بدّ للجميع من التعاون لإيجاد الحلول المناسبة له في أقرب وقتٍ ممكن حفاظاً على الكوكب الأزرق، الذي لا سكنى للإنسان إلا عليه.
والحقيقة الأكثر وضوحاً تتجلى في كون العالم البشري أمام منعطفٍ من شأنه أنْ يغير أساليب الحياة تغييراً جذرياً، سواء استسلم البشر لهذا الخطر أم حاولوا دفعه، فإذا ما استسلم الإنسان لهذه الكارثة، فإنّه سيواجه نمطاً حياتياً جديداً من أجل التكيف مع الواقع المناخي المفروض، من كوارث طبيعية وجفافٍ وحرائق وزلازل وبراكين وندرة في الغذاء والمياه، أما إذا قرر الإنسان مواجهة هذا الخطر الداهم بحزمٍ وتخطيطٍ وسياساتٍ جادةٍ وفاعلةٍ، فمن شأن ذلك تحوُّلُ العالمِ إلى عصرٍ علميٍّ واقتصاديٍّ وسياسيٍّ جديدٍ، يتلخص وفق ما يأتي:
أولاً على الصعيد العلمي: فالواقع الجديد يتطلب بحوثاً ودراساتٍ علميّةً غزيرةً ومنتظمةً للبحثِ عن موارد الطاقة النظيفة ورفد المتاح منها بما يعزز استدامتها وسهولة الوصول إليها، بالإضافة إلى كثير من الأبحاث والتجارب العلمية بغية الوصول إلى تكنولوجيا أكثر تطورا، من شأنها المساعدة في تعزيز الواقع البيئي والطبيعي واحتواء التغير المناخي الناتج عن ارتفاع حرارة الكوكب لأكثر من درجة مئوية، والذي يتطلب ابتكاراتٍ وتطبيق البرامج الأنجع في تحقيق الرفاه للإنسان، مع الحفاظ على موارد الأرض والعمل على رفدها بأسباب بنائها واستدامتها.
ثانياً على الصعيد الاقتصادي: رغم أنّ الأبحاث والدراسات العلمية في البند الأول تحتاج إلى موارد اقتصادية ضخمة لتمويلها وتوفير أسباب نجاحها، والتي ستأخذ وقتاً حتى تصل إليها، بالإضافة إلى نتائجها المؤكدة التي ستوصي بدايةً بالابتعاد عن الطاقة الأحفورية الأكثر سهولةً، فإنها ستخرج في المستقبل القريب بابتكاراتٍ واكتشافاتٍ جديدةٍ تترافق بتكنولوجيا أكثر تطوراً، الأمر الذي سيفتح أبواباً جديدةً للاستثمار، من شأنها تغيير وجه الاقتصاد العالمي، الذي سيكون أمام متطلباتٍ مستحدثةٍ واستثمارات من نوعٍ جديدٍ، لا سيما فيما يخص الطاقة المتجددة، وسبل توظيفها التوظيف الأنسب للتخلص نهائياً من الطاقة التقليدية القاتلة، بالإضافة إلى علوم الفضاء، التي ستزدهر في رحلة البحث عن البيانات والموارد خارج الكوكب، ما سيفتح المجال لاقتصادٍ خلّاقٍ لا يقف عند حدود الأرض.
ثالثاً على الصعيد السياسي: لا يشك أحدٌ بأنّ مواجهة التغير المناخي لا يمكن أن تتمّ دون تعاونٍ أممي عالميٍّ جادٍّ، لأنّ الخطر محدق بالإنسان حيث وُجد على سطح الأرض، وهذا التعاون يتطلب سياساتٍ مُبتكَرةً وتعاوناً جادّاً، الأمر الذي سيفتح السياسة العالمية على نهجٍ جديدٍ يقومُ على التكامل والتكاتف بين جميع الدول، والذي سينتج عنه عقدٌ سياسيٌّ قائمٌ على العمل من أجل التنمية المستدامة للجميع، والتي ستتطلب إقالة عثرات كثير من الدول، التي لا قوة لها على مثل هذه الخطط والبرامج، لتنبني العلاقات السياسية بين المجتمع الدولي ككلٍّ على تفاهمات مستحدثةٍ تتناسب مع العصر الجديد ومتطلبات المرحلة.
في نهاية المطاف لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التغيير ليس ضرباً من الخيال، بل إنه حاصلٌ، والعصر الجديد حانت ولادته، وقد وضعت دولٌ كثيرةٌ قدمها على بداية طريقه مستشرفةً المستقبل، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت العمل باستراتيجية "الحياد الكربوني" من أجل الوصول إلى الصفر المطلق من الانبعاث الكربوني بحلول عام 2050، ولا مناص للعالم من اللحاق بهذه الاستراتيجيات التي ستنهض بالكوكب وتغير وجه الحياة البشرية إلى الأبد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة