خبراء صوماليون يحذرون من المساعدات التركية: ذريعة لفرض الوصاية
خبراء يؤكدون لـ"العين الإخبارية" أن تركيا تحاول التغلغل في الصومال لانتزاع المناطق الغنية بالثروات والموارد الطبيعية.
شكك خبراء ومحللون صوماليون في اتفاقات التعاون الموقعة بين بلادهم وأنقرة، وأكدوا أن هناك تعاونا خفيا بين حكومة مقديشو تقوده الجماعات الإخوانية في الصومال وحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ربما يمهد لسيطرة تركية كاملة على البلاد.
وأوضح الخبراء لـ"العين الإخبارية" أن تركيا تمتلك أكبر قاعدة عسكرية خارج أراضيها في مقديشو، كما يشمل تعاونها تدريب الجيش الصومالي وتتحكم أيضا في مطار البلاد الرئيسي وتستثمر في قطاعات صحية واقتصادية متعددة؛ ما يؤكد أن هناك اتفاقا ومخططا خفيا للهيمنة على الصومال والاستثمار في موارد البلاد النفطية والمعدنية والبحرية.
وكشفت تقارير صحفية عن أن تركيا تحاول الحصول على عقود الاستثمار في النفط الصومالي بمناطق متعددة، وخصوصا في وسط البلاد لتغطية عجزها في الطاقة من خلال حصول الشركات المملوكة للدولة مثل شركة الوطنية للنفط في أنقرة على عقود للاستثمار في النفط الصومالي وعقد شراكات مع كبار المسؤولين الصوماليين لتسهيل الحصول على العقود الاستثمارية.
وتحاول تركيا، حسب خبراء، اللعب على وتر محاربة الإرهاب واستخدامه كذريعة للتغلغل في الصومال وانتزاع المناطق الغنية بالثروات والموارد الطبيعية الكامنة من سيطرة حركة الشباب الإرهابية، والاستئثار بها مع بعض النخب الصومالية الفاسدة، وتكشف تقارير عن أن اليورانيوم والذهب يأتيان في مقدمتها.
وشدد محللون على أن الاتفاقات العسكرية الصومالية-التركية الغامضة تُعَد حجر الأساس في التعاون بين البلدين؛ حيث تدعي تركيا أنها تسعى لإعادة بناء جيش البلد المنهار وتدريب قواته وتأهيلها لحماية البلاد.
لكن بحسب محللين وخبراء صوماليين تسعى تركيا بوجودها العسكري في الصومال لتحقيق أهداف متعددة، أبرزها خلق وجود لها في شرق أفريقيا والبحر الأحمر لتطويق مصر والسعودية، وبحسب مصادر فإن عقود القاعدة العسكرية التركية في مقديشو تتعدى الخمسين عاما؛ ما يؤكد أن أنقرة تسعى لوجود عسكري دائم.
وكشفت تقارير أفريقية عن أن تركيا بدخولها شرق القارة تسعى لتهديد الخليج العربي واستخدام الصومال كقاعدة انطلاق لتخريب المنطقة واستخدامها في أي حرب محتملة، وهو حسب رأي مراقبين صوماليين يشكل خطرا كبيرا على وضع الصومال كدولة عربية لها علاقات راسخة مع دول الجوار العربي، كما أن هذا المخطط يضر بمنطقة القرن الأفريقي وبالسلم والأمن العالميين.
رفض داخلي
ونهاية الأسبوع الماضي حذر محمد موسى ديري وزير الإعلام في أرض الصومال، في تصريحات، من تعامل تركيا مع حكومة مقديشو وتزويدها بالسلاح، وأشار إلى أن تزويد الصومال بالسلاح يشكل تهديدا لأمن منطقة القرن الأفريقي.
وطالب المجتمع الدولي بالتوقف عن دعم خطة الحكومة الصومالية حول إعفاء الديون عنها ومراقبتها حتى لا تستثمر أموال البلاد في تدمير الإدارات الإقليمية وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتأتي تصريحات الوزير الصومالي بعد أن كشفت أنباء عن أن الصومال يتفاوض مع تركيا لنشر قادتها العسكريين وتزويدهم بالمعدات اللازمة للحرب ضد حركة الشباب الإرهابية بعد انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي من البلاد في 2021.
وبحسب خبير عسكري صومالي -فضّل عدم الكشف عن اسمه- فإن تركيا تمددت داخل المؤسسة العسكرية الصومالية من خلال تدريبها لمئات القادة والجنود في أنقرة، وهو ما أتاح لها معرفة كاملة بوضع الجيش الصومالي داخليا وتوجيهه لصالحها.
وقال إن مثل هذه القرارات تؤكد اختراق تركيا لقادة الجيش الحالي وأبرزهم القائد العام الجديد يوسف راغي، مشيرا إلى أن تركيا وجدت في قرار انسحاب القوة الأفريقية فرصة للتمدد بشكل أكبر في الصومال وملء الفراغ الذي سيحدثه خروج قوات الاتحاد الأفريقي.
وأضاف أنه بعد سنوات من اتفاقية التعاون العسكري بين أنقرة ومقديشو تحت لافتة تدريب الجيش، لم نرَ أي تقدم في قدرات القوات المسلحة، وقال إن ذلك يتطلب مراجعة شاملة، غير أنه أكد أن الحكومة الحالية مرتهنة بالكامل لتركيا.
وصاية كاملة
بدوره أكد المحلل السياسي الصومالي محمد نور سيدو، لـ"العين الإخبارية"، أن المباحثات الأخيرة بين القيادة السياسية الحالية في البلاد والمسؤولين الأتراك لنشر قوات عسكرية ربما تمهد لوصاية تركية.
وأضاف سيدو أنه رغم انكشاف المخططات التركية لعدد كبير من الجماعات والأحزاب السياسية؛ فإنها لا تستطيع إعلان رفضها؛ لأن أنقرة استطاعت الإمساك بجميع خيوط اللعبة السياسية واستضافتها كثيرا من قادة المعارضة والسياسيين الصوماليين ورعايتها لاتفاقيات المصالحة ومباحثات السلام بين الفرقاء.
وقال إن أنقرة تخطط أيضا لعزل الصومال عن محيطه الإقليمي وإملاء أجندتها لتضمن تحكما وسيطرة كاملة على مراكز صنع القرار على أعلى المستويات، ونوه بأن الرئيس التركي استطاع تكوين علاقة قوية مع الرئيس السابق حسن شيخ محمود مكنته من توقيع عدد كبير من الاتفاقيات التي استفادت منها تركيا ومهدت للسيطرة الحالية.
غير أن مصادر في الاتحاد الأفريقي أكدت لـ"العين الإخبارية" أن نشر القوات التركية في الصومال تبدو معقدة وتعترضها مواقف رافضة من دول كثيرة تخشى التوغل التركي في القارة السمراء، كما أنه لا يمكن أن تتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو مجلس السلم والأمن الأفريقي، هو ما سيدفع أنقره للاتجاه نحو الطرق الاستخباراتية أو توقيع اتفاقيات ثنائية.
ولمح المحلل السياسي الصومالي عبدالولي عبدون إلى أن تدخل تركيا ستكون له تبعات عديدة، وقال إن حركة الشباب الإرهابية فصيل داخلي ودخول أنقرة في خط الصراع سيدخل البلاد في حالة استقطابات متعددة قبلية عشائرية وإقليمية.
وأكد عبدون أيضا لـ"العين الإخبارية" أن تركيا لا تنوي الحرب على الإرهاب بل مخططاتها تؤكد رغبتها في الوصاية على الصومال؛ ما سيقود إلى تأجيج الصراع بين الفصائل الصومالية المتوجسة من التدخلات الخارجية.
وأوضح أن دول الإقليم مثل كينيا وإثيوبيا لن تقبل بتدخلات تركية تسعى لتغيير الموازنات الإقليمية الدقيقة، وخلق محاور جديدة قد تدل المنطقة في اضطرابات سياسية.