الصومال 2019.. أزمات سياسية وأمنية لا تهدأ
الخلافات بين الحكومة الصومالية والمعارضة خلال عام 2019 حول أسلوب إدارة البلاد أوصلت الطرفين إلى طريق مسدود
مع اقتراب عام 2019 على طي أوراقه سجلت شهوره المتتابعة تطورات مهمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية في الصومال، تصدر تنظيم حركة الشباب الإرهابية المشهد.
وسجل العام نفسه تجدد الخلافات بين الحكومة الصومالية والمعارضة حول أسلوب إدارة البلاد، ما أوصل الطرفين إلى طريق مسدود، وسط اتهامات للرئيس محمد عبدالله فرماجو بتخييب آمال الصوماليين في العبور إلى دولة المؤسسات.
ومنذ بداية يناير/كانون الثاني الماضي تصاعدت حدة التجاذبات، إذ تتهم المعارضة حكومة مقديشو بشكل مستمر بالتدخل في شؤون الولايات، وافتعال الأزمات الأمنية لنسف الانتخابات في ولايتي جوبالاند وغلدمج.
وتحدثت المعارضة الصومالية، آنذاك، عن أن حكومة فرماجو ترغب في إيصال مرشحيها إلى السلطة، وهو ما فسره مراقبون بأنه محاولة لإعادة المركزية والتخلي عن الدستور الفيدرالي.
واتهمت المعارضة حكومة فرماجو أيضاً بالعمل وفق أجندتها الخاصة، واتباع أساليب سياسية متطرفة في الداخل، والاستفراد برؤيتها لإدارة ملفات السياسة الخارجية، مثل قرار طرد مبعوث الأمم المتحدة في مقديشو يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي مطلع 2019، أيضاً ارتكبت الحكومة الصومالية خطأ بإجازتها قانون النفط، قبل حسم الخلافات في الحدود البحرية مع جارتها كينيا، وهو ما قاد نيروبي إلى قطع علاقاتها مع مقديشو، وهنا أكدت المعارضة أن سلسلة الأخطاء هذه أدت إلى تشويه سمعة البلاد أمام المجتمع الدولي.
وبحلول مارس/آذار من العام نفسه، أعلنت وحدات من الجيش الصومالي انسحابها من بعض المواقع والقواعد العسكرية، احتجاجا على عدم صرف رواتبها.
وقالت تقارير أممية إن انعدام الأمن في الصومال لا يزال يشكل تحدياً رئيسياً أمام التقدم في هذا البلد، فوفقاً للمعلومات فإن عام 2019 شهد تصعيداً إرهابياً متواصلاً لحركة الشباب، التي تمكنت من تنفيذ أكثر من 30 تفجيراً على أهداف حكومية ومدنية في قلب العاصمة مقديشو.
وكانعكاس للضعف الأمني فإن الحركة الإرهابية نفذت هذه العمليات رغم وجود مئات الحواجز والمتاريس في طرق العاصمة، ما خلف مئات الضحايا من المسؤولين والمدنيين على حد سواء.
وما يزيد من صعوبة الوضع الأمني أن قوة الاتحاد الأفريقي ستخرج من الصومال في 2021، ما يمثل أحد أبرز التحديات؛ حيث يقول الخبراء إن الجيش الصومالي يعيش واقعاً صعباً في عدة مناطق أبرزها إقليم شبيلي.
ويرى المراقبون أن حكومة مقديشو لا تملك أي استراتيجية لمحاربة (الشباب) الإرهابية، فضلا عن عجزها في كشف الهجمات قبل وقوعها وحماية المسؤولين المهددين من قبل الحركة.
ثم في مايو/أيار من العام ذاته، وبعد انعقاد "مؤتمر غروي" حول قضايا الصومال المصيرية، انفجرت خلافات بين جميع الأطراف، حيث أعربت المعارضة المكونة من أحزاب (ودجر وهميليو قرن والاتحاد من أجل السلام والجمهورية) عن ازدياد مخاوفها من محاولات الحكومة لإلغاء الانتخابات والتمديد لنفسها.
ويرى مراقبون أن انسداد الأفق السياسي وارتهان الحكومة لأجندة خارجية إخوانية قاد إلى طول أمد المشكلات السياسية في البلاد.
وفجرت الخلافات حول قانون الانتخابات المتوقع إجراؤها نهاية 2021 أزمة سياسية جديدة على الخارطة الصومالية، فور بدء المناقشات الأولية حوله.
وأعلنت المعارضة رفضها له، متهمة الحكومة باستبعادها من المناقشات، كما رأت القوى السياسية أن قانون الانتخابات يتضمن بنوداً تمكن حكومة مقديشو من تمديد فترة حكمها.
ومرت العلاقة بين الولايات الإقليمية من جهة والحكومة الفيدرالية، منذ بداية 2019، بمنعطفات حادة، خصوصاً بعد أن أكدت تقارير أن مقديشو تخطط لتغيير نتيجة انتخابات ولايتي غلدمج وجوبالاند.
وبحلول أغسطس/آب الماضي أعلنت مقديشو فرضها حظرا جويا ومنع سفر المسؤولين إلى ولاية كسمايو، ما حدا بإعلان ولايتي جوبا لاند وبونتلاند مقاطعتهما لها.
وردا على خطوة حكومة فرماجو بمنع سفر سياسيين ومسؤولين حكوميين سابقين إلى كسمايو لحضور احتفالات جوبالاند بتنصيب رئيس الولاية أحمد مدوبي، أعلنت 4 أحزاب معارضة تشكيل تكتل سياسي جديد تحت اسم منتدى الأحزاب المعارضة، لمواجهة الحكومة في نوفمبر/كانون الثاني الماضي.
كما حاولت حكومة مقديشو دعوة الأحزاب المعارضة لإجراء محادثات لنزع فتيل الأزمة، لكنها سرعان ما انهارت بعد إعلان المنتدى عدم جدية رجال فرماجو في تنفيذ مطالبه.
وخلال أغسطس/آب الماضي أيضاً أعلنت حكومة فرماجو تعيين فهد الياسين في منصب مدير جهاز الأمن والاستخبارات، وإحلال قيادات جديدة في الجيش والشرطة، وهو ما اعتبره محللون خطوة من مقديشو لتقوية وجودها، إضافة إلى تنفيذ أجندة أخرى مثل قمع ومحاصرة المعارضة.
واعتبر الخبير الأمني الصومالي محمد روبو أن التعيينات الجديدة تعد تسييسا للأجهزة الأمنية، وقادت إلى حدوث فراغ أمني وتفاقم حالة التدهور الأمني التي تعيشها البلاد، وفي النهاية فشلت الحكومة خلال عام 2019 في المحافظة على أمن البلاد، وتحديداً العاصمة مقديشو.
مرت الأيام وحل شهر سبتمبر/أيلول الماضي لتصدر الأمم المتحدة تقريرا حذرت فيه من تعرض 2.1 مليون شخص في مختلف أنحاء الصومال لجوع شديد.
وحسب التقرير الأممي، فإن العدد الكلي من الصوماليين الذي يواجهون أزمة الجوع مرشح للارتفاع إلى 6.3 مليون بنهاية العام.
كما تسببت الفيضانات بتشريد 370 ألف شخص، ودمرت حقولا زراعية وبنى تحتية وقتلت الكثير من المواشي في بعض المناطق، أما الخسائر البشرية فبلغت 17 شخصا على الأقل، من بينهم طفلان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، اندلعت مظاهرات سائقي وسائل النقل العام في مقديشو، احتجاجا على زيادة الضرائب وإغلاق الطرق الرئيسية بالعاصمة.
وتجمع المتظاهرون في عدد من التقاطعات الرئيسية بمقديشو، وأعلنوا رفضهم زيادة الضرائب ومطالبهم بوقف مطاردة وقتل سائقي التوك توك من قبل الشرطة، والقضاء على مشكلة الطرق المغلقة التي كان من المفترض أن ينشطوا فيها.
وحذر مراقبون من أن تتحول المظاهرات الغاضبة إلى ثورة شعبية عارمة تطيح بحكم الرئيس فرماجو، ما قد يدخل البلاد في دوامة جديدة من العنف.