الصومال في 2022.. نهاية "قاسية" لفرماجو وعودة "تاريخية" للرئيس الحالي
في عام 2022، وضع الصوماليون نهاية لنظام فرماجو الذي قاد البلاد 5 سنوات حملت أزمات متراكمة، وانتهى بفوز حسن شيخ محمود بالرئاسة.
وفي استحقاق رئاسي، كان الأصعب في تاريخ البلاد خلال عقدين، حل البرلمان الصومالي محمد عبدالله فرماجو من تاج الحكم وأخرجوه من القصر في صناديق الاقتراع.
- "تركة فرماجو" تحت المجهر.. رئيس الصومال يضبط بوصلة مقديشو
- مهد صلاد.. معارض فرماجو مديرا للمخابرات الصومالية
الاقتراب من الهاوية
وكان هذا البلد الأفريقي يقترب من حافة حرب أهلية شاملة في أبريل/نيسان ٢٠٢١ بعد ما أعلن تمديد ولايته التي انقضت في 8 فبراير/شباط من العام نفسه، لكن جهودا سياسية وعسكرية وضعت نهاية لجشعه للسلطة.
ولم تكن نهاية فرماجو تلك التي مني بها، خلال الانتخابات التشريعية. فقد عمل للحصول على دعم أكثر من 200 عضو في البرلمان الصومالي الذي يتكون من 331 لضمان الفوز في الاستحقاق الرئاسي، لكن لم يصوت له سوى 100 عضو بمن وثق بهم.
ولم تنقذ المحسوبية والفساد والأموال الطائلة التي دفعها لتمكين مقربين منه في المقاعد النيابية.
وقاد فرماجو البلاد عبر خطابات شعبوية تختزل الولاء للوطن بنفسه واتهام الآخرين بالفساد والعمالة، وبث الفرقة والاستقواء بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وتوظيف أبواق من الإعلاميين ورجال الدين بتشهير خصومه.
إرهاب وأزمات
وخلال فترة حكمه غض الطرف عن الحرب الوجودية ضد الإرهاب التي كانت الصومال بحاجة إليها وتمكنت التنظيمات المسلحة من صناعة أموال جبارة خلال فترة حكمه وتوغلت بمفاصل الدولة.
ودفع الصومال الثمن غاليا، حيث ترك يواجه الإرهاب والجفاف وحده بعد انسحاب القوات الأمريكية خلال ولايته.
داخليا، هاجم نظام الحكم الأساسي في البلاد، وهو النظام الفيدرالي، كان يرى عائقا أمامه للحد من سلطاته، فحارب بشدة، فنجح في السيطرة على 3 ولايات (هيرشبيلى، غلمدغ ويونايتد جنوب غرب) عبر تمكين أنصاره على رئاستها بينما لم ينجح في ولايتي جوبالاند بونتلاند.
وخارجيا، أبعد فرماجو الصومال عن محيطه العربي وجواره الأفريقي، ولم يكن للبلاد علاقات سوى مع دول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
على صعيد المؤسسات الحكومية كانت تركة فرماجو ثقيلة، حيث أقام عددا من اللجان والكيانات بشكل مخالف للدستور وقوانين البلاد، ما فرض على الرئيس الحالي حسن شيخ محمود إجراء مراجعة لكل قرارات فرماجو.
الخلاص من فرماجو
وشكل خلاص الصوماليين من نظام فرماجو فرصة لإعادة الاحتكام إلى الدستور، والاستقرار السياسي، والتركيز على القضايا ذات الأولوية مثل محاربة الإرهاب ومعالجة الجفاف ودخول مرحلة الإصلاح في العلاقات الخارجية، واستعادة ثقة الأصدقاء التقليديين للصومال.
ويقول المحلل السياسي الصومالي محمد نور، لـ"العين الإخبارية"، إن "إنهاء عهد فرماجو نجاح للدولة الصومالية، أسكت النغمة الشعوبية التي تنامت في الخطاب السياسي خلال ولايته".
ويعتقد "نور" بأن هزيمة فرماجو بأصوات قياسية في الاستحقاق الرئاسي في مايو/أيار الماضي تجسيد لرفض الفاعلين في المشهد السياسي كل من يلجأ الى القوة للاستمرار في الحكم الذي جاء إليه عبر صناديق الاقتراع.
ويرى المحلل السياسي أن "أولويات الصومال حاليا هي المضي قدما نحو تصحيح مسار الدولة الصومالية ودفع مسار توافقي يخدم مصالح البلاد الداخلية والخارجية، وتشديد سيادة القانون واحترام الدستور والولاء للوطن".
وبحسب محمد نور فإن تجربة وصول شخصية مثل فرماجو تعادي الداخل والخارج ولا تعرف سوى مصالحها الشخصية والحزبية اختبارا لأصحاب المصلحة السياسية، وسيعزز معايير اختيار الرئيس، والتدقيق من خلفيات الساعين إلى الظفر بهرم السلطة.
عودة حسن شيخ محمود
وشكلت عودة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود إلى السلطة مجددا، خطوة تاريخية، عقب فوزه خلال الاستحقاق الرئاسي في مايو/أيار 2022 على فرماجو الذي خلفه في عام 2017.
وشكلت شعبية شيخ محمود في أوساط النخبة من الساسة ورجال الأعمال والأكاديميين والإعلاميين حجر الأساس على عودته.
وصنع شيخ محمود التاريخ حيث أصبح أول رئيس صومالي يفوز بمقعد الرئاسة مرتين في البلاد منذ الاستقلال عام 1960.
ولامست عوده الانتخابية هموم الشارع مثل "الاستقرار السياسي، وتعزيز الفيدرالية، ودبلوماسية متوازنة، وتحرير البلاد من الإرهاب، وبناء الروافد الاقتصادية، وتوظيف الشباب"، وكانت دفعة أخرى نحو فوزه بالرئاسة.
وصوت لحسن شيخ محمود 214 نائبا من بين 331 يتكون منهم البرلمان الفيدرالي الصومالي في الجولة الثالثة الحاسمة وهو رقم آخر لم يحققه أي رئيس في تاريخ البلاد.
وكان من أبرز العوامل التي وضعت ثقة الصوماليين به هي عودته لقيادته للمعارضة السياسية ضد فرماجو وإجباره بكل السبل على إجراء انتخابات توافقية ورفض التمديد والتنديد بسياسة استعداء دول بعينها في مسار السياسة الخارجية.
وشق شيخ محمود طريق عودة رؤساء الصومال السابقين إلى الحكم في حال توفر عوامل النجاح الأخرى كاسرا تقليدا صمد خلال 62 عاما في تاريخ البلاد وتجاوز "نحس رئيس سابق لا يعود".
وكانت أخطاء فرماجو الكارثية من أبرز العوامل التي دفعت الشارع الصومالي لتغيير نظرته نحو شيخ محمود، وقام بتوظيفها هو بنفسه سياسيا.
وأطلق وعودا حساسة ومهمة جدا بعدم الانتقام من أي أحد وقيادة البلاد في مناخ يسود سيادة القانون واحترام الدستور وقوانين البلد الأخرى وتصحيح كل المغالطات وفق مقتضيات الدستور.
تحديات تواجه الرئيس الحالي
وواجه شيخ محمود ملفات الجفاف والإرهاب وتركة فرماجو بسرعة، وقام بتعيين مبعوث خاص في شؤون الجفاف.
كما أعلن حربا شاملة على حركة الشباب أتت أكلها، وشكل حكومة توافقية رفعت شعار "المصلحة الوطنية" فوق أي تجاذبات، ومرت على البرلمان بهدوء.
المحلل السياسي الصومالي عمر يوسف يقول لـ"العين الإخبارية" إن "عودة شيخ محمود حدث تاريخي فريد تم تسجيله لأول مرة كرئيس سابق يفوز في استحقاق رئاسي".
وتابع عمر أن "السلوك السلبي للرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو ساهم في عودة شيخ محمود بشكل غير مباشر واستغل الأخير عبر تسويق نفسه في سجل إنجازاته بتكوين كادر سياسي متين.
ويرى المحلل السياسي الصومالي أن "حسن شيخ يعتبر أحد أعمدة الدولة الصومالية، وسيخلده التاريخ نظرا لدوره في إرساء نظام الحكم القائم في البلاد الفيدرالية، وجهوده في محاربة حركة الشباب الإرهابية، وطرح أكثر من نظرية للقضاء على التنظيم".
ويعتقد "عمر" بأن "عودة شيخ محمود ورقة رابحة للصومال داخليا وخارجيا باستعادة ثقة المجتمع الدولي، وترميم العلاقات مع الدول التي تضررت جراء سياسات سلفه، وتكوين صداقات جديدة تخدم الصومال في الحاضر والمستقبل".
aXA6IDMuMTQ5LjIzNC43OCA=
جزيرة ام اند امز