بعد وفاته.. كل ما تريد معرفته عن روايات صنع الله إبراهيم

عن عمر ناهز 88 عامًا، غاب صنع الله إبراهيم بعد رحلة أدبية شكّلت ملامح الرواية العربية المعاصرة، تاركًا نصوصًا استندت إلى وقائع وتفاصيل لا تُنسى.
توفي الكاتب والروائي المصري صنع الله إبراهيم في أحد مستشفيات القاهرة، متأثرًا بإصابته بالتهاب رئوي، بعدما قضى عقودًا في الكتابة التي ربطت بين التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية.
يُعد من أبرز كتّاب الرواية في مصر والعالم العربي، وقد اشتملت أعماله على معالجة موضوعات ذات طابع واقعي وعام، عبر حبكات ترتكز على شخصيات تنتمي إلى الحياة اليومية، وتعكس من خلالها تطورات المجتمع منذ منتصف القرن العشرين.
«شرف» (1997)
في عام 1997، أصدر صنع الله إبراهيم روايته «شرف» التي تنقل القارئ إلى عالم سجن مصري، لتصوير بنية المجتمع من الداخل. تحكي الرواية قصة "أشرف عبد العزيز سليمان"، المولود عام 1974، والملقب بـ"شرف"، الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة. تبدأ الرواية برصد انجذاب شرف لحياة الاستهلاك والعولمة في شوارع القاهرة، من خلال تجواله في المراكز التجارية الكبرى ودور السينما.
أثناء إحدى هذه الجولات، يلتقي شرف بسائح إنجليزي يُدعى "جون"، ثم يتعرض لمحاولة اعتداء، فيُقدم على قتله دفاعًا عن نفسه. من هنا تتغير مجريات حياته كليًا، إذ يُلقى به في السجن، وتصبح تفاصيل الحياة خلف القضبان إطارًا كاشفًا لواقع اجتماعي يتسم بانتشار الفساد الإداري، والرشاوى، وتفاوت طبقي واضح. يصوغ الكاتب هذه البيئة كساحة مكثفة للعلاقات الإنسانية داخل النظام المغلق، وتعكس طبيعة الحياة خارجه.
«نجمة أغسطس» (1974)
الرواية الثانية في مسيرة إبراهيم الروائية، صدرت عام 1974 عن دار الهدى للنشر والتوزيع، وتقع في 270 صفحة. تدور أحداث «نجمة أغسطس» حول مشروع بناء السد العالي، الذي يُعد من أبرز المشاريع الوطنية في تاريخ مصر.
اختار الكاتب هذا الحدث نقطة انطلاق لتقديم شهادة سردية على حقبة كاملة، ونسج من خلاله وصفًا للتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها البلاد في ذلك الوقت.
تجمع الرواية بين الطابع التوثيقي والبنية الفنية التجريبية، ما يجعلها تجربة مغايرة لما سبقها. إذ تركز على العمال والمهندسين والبيئة المحيطة بالسد، وتربط بين الجهد المادي المبذول في البناء والتغييرات التي طرأت على البنية الاجتماعية.
«ذات» (1992)
في رواية «ذات»، التي نُشرت للمرة الأولى عام 1992، ينتقل صنع الله إبراهيم إلى طرح اجتماعي يدور حول شخصية "ذات"، وهي امرأة مصرية تمر بتقلبات الحياة في البلاد منذ ثورة يوليو/ تموز 1952 وحتى نهاية القرن العشرين. استخدم الكاتب هذه الشخصية لتقديم قراءة بانورامية عن المجتمع المصري، مستعرضًا ما تعرض له من تحولات سياسية واقتصادية وثقافية.
الرواية تمزج بين الخاص والعام، وتُبنى بأسلوب يعتمد على اليوميات، مُتداخلة مع قصاصات صحفية، ما يجعل منها نصًا متعدد الطبقات. وقد تُرجمت الرواية إلى اللغة الإنجليزية على يد أنطوني كولدربانك، كما تم تحويلها لاحقًا إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان "بنت اسمها ذات"، من إنتاج درامي مصري.
«الجليد» (2011)
في رواية «الجليد»، التي تدور أحداثها في أوائل سبعينيات القرن العشرين، ينتقل السرد إلى الاتحاد السوفيتي، حيث يعيش بطل الرواية "شكري" في سكن طلابي يُدعى "الأبشيجتي". من خلال حياة شكري اليومية، يرصد صنع الله إبراهيم واقع الطلاب العرب المبتعثين في موسكو، كاشفًا عن تفاصيل ثقافية، نفسية، وسياسية ترتبط بتلك الفترة.
الرواية تُسلط على العلاقات المصرية السوفيتية، وعلى التباينات الشخصية بين طلاب من خلفيات مختلفة. كما يتتبع الكاتب طبيعة التفاعل بين الثقافتين، ويستعرض كيف تتقاطع السياسة والتعليم في بيئة معقدة. غلاف طبعة دار الثقافة الجديدة لهذه الرواية صممه الفنان أحمد مراد، بما يتلاءم مع روح النص.
في مجمل أعماله، قدّم صنع الله إبراهيم بنية روائية متماسكة، ارتكزت على تحليل التغيرات الاجتماعية والسياسية من خلال شخصيات عادية. لجأ إلى لغة دقيقة، وسرد يعتمد على التوثيق المدعوم بالتفاصيل، دون الإخلال بالبناء الفني للرواية.
حرص الكاتب على تضمين أخبار حقيقية داخل المتن الروائي، سواء من الصحف أو الأحداث العامة، ما أضفى طابعًا توثيقيًا منح رواياته عمقًا مضاعفًا. وقد أدرج اتحاد الكتّاب العرب بعض أعماله ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA= جزيرة ام اند امز