الأولمبياد الخاص.. حلم إنساني تحول لأكبر تظاهرة رياضية عالمية
يونيس كينيدي قدمت الكثير لأصحاب الهمم ووضعت حجر الأساس للعديد من الأعمال التي أفادتهم وأثرت برقتها وإنسانيتها في حياة العديد منهم
حلم إنساني راود سيدة لمساعدة شقيقتها من أصحاب الهمم سرعان ما تحول إلى محفل عالمي يهدف لبناء عالم متضامن يسوده الاحترام والتقدير للجميع دون النظر إلى اختلاف قدراتهم وتفاوتها.
من هنا انطلقت الشرارة الأولى لقصة "الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص" التي كانت وراء فكرتها يونيس كينيدي وملهمتها روز ماري الأخت الصغرى لها شقيقتا الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي التي كانت تعاني الإعاقة الذهنية بسبب خطأ طبي حدث أثناء ولادتها تسبب لها في إعاقة بالمخ.
وكانت يونيس تتولى رعاية شقيقتها الجميلة روز ماري وعملت على إيجاد أي وسيلة لمساعدتها على ممارسة أي نشاط يمكنها من الاندماج في المجتمع فراودها ذلك الحلم الإنساني الجميل سعيا منها إلى تغيير رؤية المجتمع عن هذه الفئة التي كانت مهمشة آنذاك ومناصرتها.
ورغبة منها في إدخال الفرحة والسعادة إلى قلب شقيقتها روزماري، أقامت يونيس في يونيو 1963 معسكراً رياضياً لمدة يوم واحد بحديقة منزلها للأطفال من أصحاب الهمم لاستعراض مهاراتهم الرياضية والبدنية، حيث كانت تلك هي البداية التي أكدت أن الرياضة هي البوابة السحرية لتشجيع هذه الفئة ودمجها في المجتمع، وهذا هو الأولمبياد الخاص العالمي الذي كانت روز ماري الملهمة الأولى لتأسيسه إلى أن أصبح اليوم الحدث الإنساني والرياضي الأكبر من نوعه على وجه البسيطة.
ومع الإيجابية التي خلفها هذا الحدث البسيط، عزمت يونيس، التي كانت تدير مؤسسة جوزيف كينيدي الخيرية، والتي تعمل أيضا على منع زيادة حالات ولادة المعاقين فكريا وعلاجها وتحسين أداء المجتمع تجاه هذه الفئة، على توسيع الدائرة وإقامة معسكرات رياضية بصفة منتظمة وأسست مجلس إدارة يضم مجموعة من الخبراء لرصد مدى تأثير الرياضة على تطور مهارات هذه الفئة في حياتهم.
وبعد 5 سنوات من العمل ترسخ لدى يونيس كينيدي أن الرياضة هي الحل لدعم هذه الفئة ومساعدتها في تسهيل حياتها، وبدأ حلم يونيس يرى النور مع انطلاق أول ألعاب عالمية صيفية للأولمبياد الخاص في يوليو 1968 على ملعب "سولجر فيلد" في مدينة شيكاغو الأمريكية بمشاركة 1000 لاعب ولاعبة يمثلون 26 ولاية أمريكية وكندا حيث تنافسوا في ألعاب القوى والهوكي الأرضي والسباحة.
وقتها قالت يونيس في كلمتها خلال حفل الافتتاح إن "دورة الأولمبياد الخاص الأولى التي أقيمت في شيكاغو أثبتت حقيقة جوهرية جداً، وهي أن الأطفال من أصحاب الهمم يمكن أن يصبحوا رياضيين استثنائيين، وأنه من خلال الرياضات يمكنهم تحقيق إمكاناتهم في النمو، وتعهدت بأن هذه المنظمة الجديدة، الأولمبياد الخاص، ستمنح أصحاب الهمم أينما وجدوا الفرصة للعب والفرصة للتنافس والفرصة للنمو".
ومنذ ذلك التاريخ تقام الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص كل عامين بالتناوب بين الألعاب الصيفية والشتوية ويشارك بها أكثر من 5 ملايين لاعب ولاعبة حول العالم.
وفي خطوة أصبحت علامة فارقة في تاريخ العالم، تأسس رسميا الأولمبياد الخاص في ديسمبر عام 1968 واعتمدت الرياضة إحدى العناصر المهمة للنهوض بذوي الإعاقة الذهنية ودمجهم في المجتمع.
وتقديرا لجهودها ودورها وتخليدا لدورها الإنساني في مناصرة ودعم أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة الذهنية ونجاحها في إطلاق الحدث العالمي الأبرز في تاريخ البشرية المعني بهذه الفئة، أصبحت يونيس كينيدي السيدة الأمريكية الأولى على قيد الحياة التي يتم تصويرها على عملة أمريكية حقيقية وهي العملة التذكارية الفضية الخاصة بدورة الألعاب الصيفية للأولمبياد الخاص بالولايات المتحدة عام 1995.
وخلال رحلة طويلة مليئة بالإنسانية، قدمت يونيس كينيدي الكثير للأفراد من أصحاب الهمم ووضعت حجر الأساس للعديد من الأعمال التي أفادتهم وأثرت برقتها وإنسانيتها في حياة العديد منهم واستحقت حب وتقدير كل من أطلع على مسيرتها الحافلة التي اختتمت بوفاتها في 11 سبتمبر 2009.
ولم يتوقف الاهتمام العالمي بذوي الاحتياجات الخاصة "أصحاب الهمم" بوفاة يونيس كينيدي بل تواصلت هذه المسيرة الإنسانية التي صادفت الكثير من محطات النجاح والتطور وتصدرت العديد من الدول الواجهة في الاهتمام بهم وعلى رأسها دولة الإمارات التي أولت جل اهتمامها لرعاية هذه الفئة ودعمها وأحدثت طفرة مهمة في العناية بهم وأبرزها إطلاق السياسة الوطنية لتمكين ذوي الإعاقة وتأسيس المجلس الاستشاري لأصحاب الهمم وإطلاق مسمى أصحاب الهمم عليهم بدلاً من ذوي الإعاقة وذلك في 18 أبريل من عام 2017 ما شكل قفزة نوعية لهذه الفئة وعزز من دمجهم في المجتمع وساهم في تسليط الضوء على إنجازاتهم ووفر لهم مختلف السبل لممارسة أدوارهم كأفراد طبيعيين في مجتمعاتهم.
aXA6IDMuMTQ0LjE3LjE4MSA= جزيرة ام اند امز