قصة جاسوس.. من دهاليز «القاعدة» إلى مخابرات بريطانيا

من بين آلاف ضحايا «القاعدة»، يبرز أيمن دين كواحد من الذين اخترقوا أعماق التنظيم قبل أن يتحول إلى جاسوس لصالح الاستخبارات البريطانية.
وفي مقابلة حصرية مع صحيفة "ذا صن"، كشف هذا الأب لطفل عن مسار مأساوي بدأ في السابعة عشرة من عمره، حين التقى خالد شيخ محمد (العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001) بعد عودته من البوسنة حيث شهد فظاعات الحرب.
آنذاك، انجذب أيمن لفكرة محاربة "أمريكا الشريرة"، لكنه انقلب ضد تنظيم القاعدة عندما اكتشف إعداده لقتل المدنيين دون رحمة.
في مصنع الموت.. تدريب صناعة القنابل بأفغانستان
بعد عام من التغرير بأفكاره، وجد أيمن نفسه في معسكر نائي بأفغانستان يتدرب لمدة 11 شهرًا على صناعة المتفجرات تحت إشراف أبو خباب المصري (مهندس الأسلحة الكيميائية للقاعدة).
ورغم خطورة العمل، وصف الشاب الذي كان شغوفًا بالمعرفة العملية الكيميائية بـ"الممتعة"، ساخرًا: "لمَ لم يُدرّسوا الكيمياء بهذا الشكل الممتع في المدرسة؟".
في ذلك المعسكر البدائي - حيث القنابل على رفوف خشبية والفواكه كـ"ترياق" ضد السموم - تعايش مع متطرفين مثل معاذ فزّاني (أحد قادة داعش لاحقًا)، وسط مناقشات عن "تدمير النظام العالمي".
وهنا تلقى تحذيرًا مصيريًا من معلمه: "خطؤك الأول سيكون الأخير".
الصحوة: هجمات السفارتين نقطة التحول
بعد أقل من عام، هزّت ضمير أيمن هجمات سفارتي أمريكا في نيروبي الكينية ودار السلام التنزانية (1998) التي خلفت 200 قتيل.
وعندما سمع خططًا لضرب دور السينما بأسطوانات "هيدروجين سيانيد"، واجه القائد خالد شيخ محمد، بقوله: "هذا اتجاه خاطئ". لكنه رد عليه ببرود: "العالم ليس فيلم ديزني. هذه غابة… اقتل أو تُقتل. لا لغة يفهمها العالم سوى الإرهاب."
وعندها تظاهر بالمرض ليهرب إلى قطر، حيث أعلن قطيعته مع التنظيم.
ما إن وصل إلى قطر، حتى أوقفته أجهزة الأمن بوصفه عضوا في القاعدة، لكنه تعاون معهم وأعطاهم رقم حساب بنكي تابع للتنظيم، كان قد حفظه.
ومع سعادتهم بكمية المعلومات التي حصلوا عليها، عرضت عليه السلطات القطرية تسليمه لأمريكا، أو فرنسا، أو بريطانيا، فاختار الأخيرة "لعدم ثقته بالأمريكيين وعدم انتمائه للثقافة الفرنسية".
وفي غضون 9 أيام، وجد نفسه في حضن جهاز الأمن البريطاني «إم آي 5»، حيث أذهلهم بذاكرته الفوتوغرافية ومهارته في قراءة الخرائط.
وفور وصوله إلى لندن، عُرض عليه مشروب "كوكاكولا" لأول مرة – وأصبح منذ ذلك الحين مشروبه المفضل – وكتاب من سلسلة هاري بوتر.
قضى الأشهر الستة التالية في التدريب المكثف، وتعلم الإنجليزية، قبل أن يُرسل للعيش مع أحد عناصر القاعدة في لندن.
وباستخدام ثقافته الدينية وذكائه، تقرب من رفاقه ليكسب ثقتهم.
وقال: "كنت أكثر إلمامًا بالدين من أغلب عناصر القاعدة، فصرت أشبه بالمرشد الروحي لهم، وهذا سهّل عليّ مهمة التجسس".
ولاحقًا، طُلب منه العودة إلى أفغانستان، بعد تدريب دقيق، بدعوى رغبته في استعادة روحه الإيمانية.
قضى السنوات الثماني التالية جاسوسًا مزدوجًا لصالح جهازي الأمن والاستخبارات البريطانيين، ليُوصف بأنه من أكثر عملاء الاستخبارات جرأة في تاريخها.
وفي 2001، كُلّف بإيصال تحذير غامض لأربعة عناصر في لندن: "غادروا لندن قبل 1 سبتمبر.. شيء كبير سيحدث". لكنه شاهد نتائج "الشيء الكبير" على شاشات أكسفورد ستريت: هجمات 11 سبتمبر.
ورغم فشل التحذير، نجح لاحقًا في إفشال هجوم لمترو نيويورك خطّط له معلمه أبو خباب، حيث وصلت معلوماته للبيت الأبيض مباشرة.
لحظات الموت: اختبارات في قلب العدو
خلال 8 سنوات من العمل المزدوج في أفغانستان، واجه أيمن اختبارات مميتة. في إحداها، كان يطبخ في أحد المعسكرات حين شعر ببرودة فوهة مسدس تُضغط على أسفل ظهره.
قال له أحدهم: "اعترف. نعرف من أنت. نعرف مع من تعمل."
لكنه احتفظ بهدوئه، لأن تدريبه علمه كيفية كشف الكذب، واتضح لاحقًا أن ما حدث كان مجرد اختبار روتيني من قِبل التنظيم.
وعن سرّ بقائه حيًا، قال: "السر هو أن تنسى أنك جاسوس".