كتاب عن نجيب الريحاني يحذر من انسداد شرايين الكوميديا
نجيب الريحاني ممثل بلغ مكانة الخلود في نفوس عشاقه، والكتاب الجديد يتخذه منطلقا لانتقاد سطحية الأعمال الكوميدية الحالية
يحذر الناقد المصري الدكتور أحمد سخسوخ في كتابه "نجيب الريحاني من عصر الازدهار، حتى انسداد شرايين الكوميديا" من النماذج الكوميدية المسرحية التي يجرى تقديمها عبر محطات التلفزيون، ويشن هجوماً كاسحاً على النجوم الذين يقدمون تلك الأعمال التي يصفها بـ"التفاهة" والتي تؤدي لانسداد شرايين الكوميديا في مصر.
ويؤكد سخسوخ وهو أستاذ للدراما وعميد سابق لمعهد الفنون المسرحية بالقاهرة أن ما يقدم من أعمال بزعم "الكوميديا" هو شكل من أشكال تغييب العقل في فترة نحتاج فيها إلى استخدام العقل وتوظيفه.
ويرى الكتاب الصادر عن دار العين بالقاهرة في 425 صفحة من القطع المتوسط أن جانباً من مشكلات هذا النوع من المسرح اعتماده على الارتجال واستسهال الكتابة عبر ورش جماعية تفتقر في أغلبها للرؤية وللهدف من الكوميديا كأداة من أدوات النقد الاجتماعي والإمتاع والتنوير.
ويتزامن صدور الكتاب مع جدل تشهده وسائل التواصل الاجتماعي حول مدى تراجع مستوى الأعمال الدرامية الكوميدية التي تقدم في مصر، خلال الموسم الحالي من الدراما الرمضانية.
ويشير سخسوخ في كتابه الى أن ما يقدم حالياً من كوميديا بغرض الضحك للضحك، كما يشيع أبطاله يأتي "خالياً من أي فكر أو تنوير لأنه بدون معنى ويعتمد على المعايير التجارية بما تستلزمه من "تزييف للحقيقة" ويرى أن الإقبال الجماهيري على تلك العروض طبيعي في ظل ارتفاع معدلات الأمية وتدهور جودة التعليم، لكنه يبدي مخاوفه من أن يكون هذا الشكل المسرحي المتلفز مقدمة لإلغاء دعم الدولة للمسرح الجاد، فضلاً عن إلغاء المؤسسات العلمية التي تتولى تدريس الفنون.
ومن ناحية أخرى يشير مؤلف الكتاب الى أن ما يجرى في واقع الحال هو عملية "سد لشرايين الكوميديا الجادة التي تلعب دورها في تصحيح مسار المجتمع"."
ويتأخذ الكتاب من سيرة الممثل البارز نجيب الريحاني وأعماله مثالاً على قدرات الفنان الكوميدي في تقديم الأعمال التي تؤدي دورها في التسرية والإمتاع دون أن تفقد وظيفتها التنويرية.
والريحاني (1889- 1949)، ممثل كوميدي مصري من أصول عراقية. يُعد أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي عموماً ومن أشهر الكوميديين في تاريخ الفنون المرئية العربية. له عدة أعمال سينمائية ناجحة منها "سي عمر" و"غزل البنات" و"أبوحلموس" بخلاف أعماله المسرحية الخالدة.
ويرسم الكتاب صورة للريحاني وعصره في ثلاثينيات القرن الماضي، ونجاحه في تجاوز "الكوميديا الهزلية" بفضل عمله مع شريكه الكاتب بديع خيري الذي أوجد نمطاً من "الكوميديا الأخلاقية" تولت نقد السلطة الملكية في مصر آنذاك ومهاجمة الاحتلال البريطاني.
وينتقل الكتاب بقارئه للتعرف على محطات مختلفة في السيرة الذاتية للريحاني إلى جانب مساره الفني الذي بدأ من تعريب النصوص الفرنسية مروراً بخلق "الكوميديا المرتجلة" التي طورها الريحاني لتلعب دوراً نقدياً كمرآة ساخرة للحياة الاجتماعية والسياسية حتى ولدت شخصية "كشكشك بك" التي صنعت أسطورته كـ"فنان شعبي".
وما يلفت إليه سخسوخ هو أن الجمهور أجبر ممثله المفضل على المضي قدماً في اتجاه ترسيخ أقدامه كممثل كوميدي، بدلاً من التراجيديا، إذ كان الجمهور يراه فكهاً بالسليقة، وهذا ما لم يفضله الريحاني في نفسه ويسعى الكتاب لإيجاد مقاربة تجمع الريحاني مع الممثل الشهير شارلي شابلن في المواقف وربما المصائر والخيارات حتى إنهما انحازا معاً في التعبير عن سيكولوجية الإنسان الصغير في مواجهة الكبار الظالمين.
ومن الأمور التي تحسب للكتاب تحليله لمسار فناني الكوميديا في مصر من عصر الريحاني إلى أن وصلنا لعصر "المضحكين الجدد" الذين ظهروا في العشرين عاماً الأخيرة أمثال محمد سعد وأحمد حلمي ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين، كما قام بتحليل الفروق الأدائية بينهم وبين النجوم الذين أفرزهم مسرح الستينيات في مصر بعد عبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس وعادل إمام وسعيد صالح.
أحمد سخسوخ ناقد مصري حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في مصر ونوط الامتياز من النمسا؛ حيث عمل مستشاراً ثقافياً لمصر هناك، له أكثر من 20 مؤلفاً في النقد المسرحي والفني، وهو العميد السابق لمعهد الفنون المسرحية في القاهرة.
aXA6IDEzLjU4LjM0LjEzMiA= جزيرة ام اند امز