دعوت الله أن يُعظِّم شأن ذلك الظريف، ويُعزز رؤيته، ويصفح عنه الذنوب، فهو أول من أخبرنا بأن «إسرائيل مرعوبة مِنَّا»
بشَّرنا أحد ظرفاء الكوميديا السوداء ذات يوم: «بأن «إسرائيل» بجيشها وتكنولوجياتها ومخابراتها وتحالفاتها المتينة كالبنيان المرصوص، مرعوبة جداً من العرب!! وما لم يمنحها العرب الأمان والطمأنينة فإنها ستظل مرعوبة ولا يغمض لها جفن».
دعوت الله أن يُعظِّم شأن ذلك الظريف، ويُعزز رؤيته، ويصفح عنه الذنوب، فهو أول من أخبرنا بأن «إسرائيل مرعوبة مِنَّا»، رغم رداءة أحوالنا وتفرقنا، وتغامز الفرس والترك علينا
دعوت الله أن يُعظِّم شأن ذلك الظريف، ويُعزز رؤيته، ويصفح عنه الذنوب، فهو أول من أخبرنا بأن «إسرائيل مرعوبة مِنَّا»، رغم رداءة أحوالنا وتفرقنا، وتغامز الفرس والترك علينا، وجور الدولة العظمى، واستهانتها بعدالة قضايانا، وتعلقنا بالسلم وإعلاء قدره.
ولأننا من أمة لا تؤاخذ على الصغائر من الذنوب، واعتادت على العفو والحلم والصفح، وغيرها من شيم الكرام، فقد خُيّل إليَّ أنني أسأل ذلك الظريف -وحتى لا أُفسد عليه أطروحته-: كيف لنا كعرب أن ننزع الرعب من فؤاد «إسرائيل» ونحل مكانه الأمان والطمأنينة؟
قال، لا فض فُوه، وهو الظريف الذي يُكثر من قراءة سير الأولين، وأخبار المتقدمين من اليساريين والشعبويين، ويحب «المعازيب» القدامى غير الكرام من الأنام، ويقرأ سيرتهم ووصاياهم، ويحفظ ناموسهم، قال، متجهماً لا باسماً: «من الآداب السياسية في العلاقات بين الدول إظهار الموافقة والإيناس، وترك الاحتراس، ونبذ التعصب والتحريض ضد الجيران، وضرورة الابتعاد عن نبش التاريخ، وتذكر دوماً أن العرب لهم أكثر من عشرين دولة، ومساحة من الأرض تزيد على 14 مليون كيلومتر مربع، وسكان ما شاء الله أكثر من 430 مليون نسمة، في حين ليس (لليهود) سوى دولة واحدة على مساحة من الأرض لا تزيد على 22 ألف كيلومتر مربع»، وواصل حديثه الجيوسياسي الظريف عن العرب وجيوشهم وأقمارهم الصناعية وعلمائهم ومناهجهم الدراسية الراديكالية.. إلخ، وانشغلت عنه بمتابعة نشرة الأخبار على إحدى الفضائيات، وشاشة التلفزة، تبدو لي، وهي ترشح بدماء الأطفال الفلسطينيين، وجنود الجيش «الإسرائيلي» وهم يطاردون الفتية في شوارع المدن الفلسطينية، وقلت له فجأة «إنني أفهم أنك تطلب من الضحية أن تعطي الأمان إلى الجلاد، الذي غيَّر الواقع القانوني والديمغرافي والتاريخي القائم في أرض فلسطين لصالح رواية تلمودية، ورؤية عنصرية استعمارية استيطانية إحلالية؟». هز رأسه، بإشارة قد تعني (نعم)، أي «لا ونعم» في الوقت نفسه.
تقول يا صديقي الظريف: إن العرب قد أخطأوا بحق «إسرائيل»، رغم اليد العسكرية الطولى للأخيرة، والتي تعرفها صحراء سيناء والجولان ومدن فلسطين وبيروت والقدس وبغداد وتونس وغيرها على مدى أكثر من سبعة عقود، ومفاوضات عبثية تمتد لمئة عام قادمة.
وسألته ضاحكاً، من كثرة الوجع «ما هي يا صديقي المتطلبات الضرورية لطمأنة «إسرائيل» التي تتصف بالعدل والديمقراطية والإنصاف والإحسان إلى الفلسطينيين.. إلى الدرجة التي يبدو فيها الجندي أو المستوطن إذا أراد ذبح شاة فلسطينية فإنه يشحذ مديته، لكي يخلصها من ألم الذبح!!».
وقد ذاع عدل «إسرائيل» مع الفلسطينيين والعرب، إلى درجة أن يوماً واحداً منه صار أفضل من عبادة خاماتها سبعين عاماً، واصلت حديثي، كما واصل الظريف حركة الاهتزاز في الرأس، وأردفت قائلاً: ويبدو أن من بين متطلبات الطمأنة والتي يرفض صديقنا الظريف التصريح بها: «أن يمتلك كل فرد «إسرائيلي» قنبلة نووية بجانب سريره، كوسيلة وقائية للطمأنة، وأن يتعهد العرب بتشميته إذا عطس، وترضيته بتقبيل رأسه إذا غضب، (على الرغم من أنه ليس من أخلاقه سرعة الرضى)، وألا يقطع حديثه بالاعتراض أي من العرب».
ومن شروط الطمأنة أيضاً «أن يكون عرب الجوار الجغرافي معتدلي المزاج، ومنزوعي الدسم والسلام والأشعار الحماسية، وقليلي السعال والعطاس والتثاؤب، وإذا اقترب فلسطيني من «إسرائيلي» في مسايرة أو محادثة فينبغي ألا يمس ثوب الأول ثوب الثاني، ولا تقترب عربته أو دابته من عربة أو دابة الآخر، وألا ينسى العرب «إسرائيل» -«الكيان الصهيوني»- في الأشعار والروايات والخطب والمهرجانات العربية.
وإن اضطروا لذلك فينبغي أن يخاطبوا «الإسرائيلي» باسم «ابن العم أو أمير الشرق الأوسط وملحقاته».
ومن متطلبات الطمأنة أيضاً.. ألاّ يُكلِّم عربي ««إسرائيلياً» في أمر قد نهى عنه أو يكرهه، وألا يرفع عربي صوته بحضرته أو حتى في غيابه، وألا يضحك من أحاديثه أو تصريحاته أو تعليقاته في محطات التلفزة، وإذا تثاءب أي فرد «إسرائيلي» أو مد رجليه خارج تل أبيب، أو تمطى شتاء في أغوار الأردن، أو صعد متسلقاً أو مستوطناً هضبة الجولان وجبل الشيخ، أو فكَّر بالصلاة والاستيطان في سيناء أو في قانا، ألا يرفع عربي صوته أو يُقطِّب جبينه، أو يقطع خلوة هذا النبيل العادل الأصيل بالاعتراض، بل ينصت مطرقاً ومباركاً ومسروراً.
ومن شروط عهد الأمان والطمأنينة، أن يُهدي «للإسرائيلي» ما يحب ويشتهي، من المسك والعنبر والخز، والذهب والفضة، والأطيان والجواري والبجع الأسود، والتماثيل البابلية والفرعونية والآرامية.
ومن شروطه أيضاً، السِتْر على «الإسرائيلي»، إذا ما تورط في حيلة أو مكيدة، أو سطا على نهر الفرات، أو على غواصة في المياه الدولية، أو زوّر جوازات سفر من جمهوريات الموز اللاتينية، أو نسب لأجداده الفضل في بناء الأهرامات، وتحرير العبيد في الأمريكتين، أو حينما يَرْفُس القرارات الدولية وأعرافها.
قال صديقنا الظريف: «ويحك يا فلان، لقد عبرت عما في نفسي.. وما قلته هو عين العقل، وطريق السلام والأمان.. وأضيف إلى ذلك متطلبات أخرى.. تفرضها الواقعية (الوقوعية بالضبط) والحكمة، وعلى رأسها: توطين الفلسطينيين في دول عربية خفيفة الكثافة السكانية، وفي سيناء وكندا وجزر لا يوجد فيها إنترنت، ولا مطارات ولا تُزرع فيها أشجار الزيتون، وإذا تعذر ذلك فيمكن توطينهم ومعهم مئة مليون عربي مشاكس في مناطق على حافة العالم».
«وإذا فشلت كل هذه الخيارات -يضيف صديقنا الظريف- فلا بد من اللجوء إلى خيار تفكيك الشخصية». الذي يعتمد على قصف الوعي الكامن للعربي بمعلومات متكررة، من خلال التنويم المغناطيسي الجماعي، عبر التغطيات الموجهة المعتمدة على التخويف والترهيب، وغسل الأدمغة، الذي تبثه أجهزة إعلامية كبرى، وعبر بث رسائل خفية في تضاعيف الأغاني والمسلسلات والإعلانات.. والتي تتسرب إلى الوعي الباطن للعربي؛ حيث يتحول إلى إنسان ذي بعد واحد، وربط عموم العرب جميعاً بجهاز كمبيوتر عملاق قادر على التحكم في سلوكياتهم وتوجهاتهم نحو «إسرائيل» وبعدها يكون الجو ربيعاً، لا حرب ولا عنف فلسطيني، ولا أنانية عربية، بل تعاطف وشفقة ورحمة وطمأنينة».
قلت له وأنا أودعه «يا صديقي الظريف أخشى أن الطمأنينة من هذا النوع الأخير لا تكفي «إسرائيل» ولا تقنعها، إنه جهد ضائع، أن تحكي للأصلع حكاية رهيبة يقف لها شعر الرأس».
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة