جوزيف ستالين.. حكاية "سوسو" مع السياسة والنساء وهتلر في فيينا
في مشهد قد يبدو للبعض خياليا، جمعت مدينة واحدة هتلر، وستالين، لكنهما لم يتلقيا قط، حتى تواجها في أكبر معارك التاريخ دموية.
نعم.. عاش هتلر وستالين في العاصمة النمساوية فيينا عام 1913، وصاغ كل منهما أفكاره الأولى متأثرا بالمدينة ونمط الحياة الرأسمالي والطبقي فيها.
وترددا على نفس الأماكن التي اقتفت "العين الإخبارية" أثرها، لكنهما لم يتلقيا أو يعرف أي منهما معلومة عن الآخر، رغم ما تركاه من أثر في التاريخ الحديث في سنوات لاحقة.
"سوسو" القارئ للأدب
في يناير/كانون الثاني 1913، وصل جوزيف فيساريونوفيتش دشوغاشفيلي، الذي كان يبلغ من العمر 35 عاما، مغطى بالثلوج، إلى محطة قطار شمالي فيينا، قادما من كراكوف، حيث كان في الأصل من جورجيا.
دشوغاشفيلي أو "سوسو" كما يناديه أصدقاؤه، أو ما عرف في وقت لاحق باسم "ستالين"، كان قارئا للأدب، يلتهم كتب فكتور هوغو وإيميل زولا وتولستوي، ولم يكمل دراسته،
جاء إلى فيينا بتكليف من الزعيم فيلاديمير لينن، ليعيش في المدينة التي كانت تعد حاضرة النظام الملكي متعدد الأعراق، بغرض واضح وهو صياغة أساس نظري أو مقال حول "القومية والماركسية" تكون أساسا للدولة الشيوعية التي كانوا يخططون لها.
وبالفعل، اتخذ ستالين الذي كان عضو الحركة الشيوعية الوليدة، من شقة في المبنى رقم 30 في شارع "قصر شونبرون" الاستراتيجي بفيينا، مقرا لإقامته، وكانت غرفته تطل على الشارع.
ومن شرفة غرفته اعتاد أن يشاهد يوميا الإمبراطور النمساوي فرانز جوزيف، وهو في طريقه إلى مقر الحكم في قصر شونبرون القريب من مقر إقامة القيادي الشيوعي، على متن سيارة مذهبة تجرها 8 أحصنة ويحرسها مجريون أقوياء.
ولا يزال المبنى الذي عاش فيه ستالين متواجدا حتي اليوم، ويحمل ما يشبه النصب التذكاري منذ عام 1949، إذ حٌفرت صورة ضخمة له على جدرانه، كُتب أسفلها "في هذا المنزل عاش جوزيف ستالين عام 1913".
وخلال تواجده في فيينا، اعتاد ستالين التنزه باستمرار في حديقة قصر شونبرون المفتوحة للعامة، تماما مثلما كان يفعل هتلر في نفس العام.
وللمفارقة، كان عام 2013 غريبا في فيينا، فقد عاش في المدينة خلاله ستالين وهتلر، والمنظر الشيوعي الروسي ليون تروتسكي، والمترجم والكاتب والسياسي الروسي البارز نيكولاي بوخارين، والزعيم السوفيتي السابق جوزيف تيتو.
ورغم أن بوخارين ساعد ستالين كثيرا كمترجم، كون الأخير لم يكن يجيد الألمانية، إلا أن الزعيم الشيوعي اغتاله عام 1938.
ولم يكن تروتسكي حظه أفضل حالا من بوخارين، فالأول أيضا تعرف على ستالين في فيينا، ونال نفس المصير في 1940.
وعن ستالين، كتب تروتسكي ذات مرة "كنت أجلس على الطاولة في أحد المقاهي في العاصمة القديمة لهابسبورغ "يقصد فيينا"، عندما فُتح الباب فجأة، ودخل رجل مجهول. كان صغيرًا ... نحيفًا ... غطت البثور بشرته ذات اللون الرمادي والبني".
وأضاف "لم أرَ أدنى تلميح من الود في عينيه.. كان ستالين هو الذي وقف، وسكب لنفسه كوبًا من الشاي. ثم خرج بهدوء كما جاء وترك انطباعًا محبطًا للغاية ولكنه غير عادي".
مغازلة مربية الأطفال
وخلال إقامته في فيينا، كان الزعيم الشيوعي يعيش مع أسرة ألكسندر تروجانوفسكي، وهو سياسي روسي أرستقراطي، في نفس المنزل، واعتاد مغازلة مربية الأطفال، أولغا ويلاند.
ولم تستطع أوليغا ويلاند التحدث إلا بعد وفاة ستالين، قائلة في تصريحات صحفية "الأسابيع التي قضاها ستالين معنا كانت مخصصة حصريًا للبحث في المسألة القومية".
"لم يكن ستالين قادرًا على قراءة أية نصوص ألمانية. لذلك ساعدته، كما فعل الشيء نفسه بلشفي شاب آخر قابله في فيينا هو نيكولاي بوخارين".
مستطردة "ستالين اعتاد مغازلتي، وكنت أتولى مهمة صعبة هي تنظيف قمصانه وملابسه الداخلية".
الأثر الباقي
وفي فيينا، كان هتلر وستالين مهووسين بقضايا العرق والقومية، وإن كان ذلك بطرق مختلفة.
ففي هذه المدينة التي كانت تعج في ذلك الوقت بالحاشية الملكية والمحرضين العنصريين، شكّل اليهود 8.6٪ فقط من السكان، لكن تأثيرهم الثقافي كان أكبر بكثير.
وفي أروقة المدينة، صاغ هتلر فكرته الأولى لنظرية السيادة العرقية للعرق الألماني، وفرضها في وقت لاحق على ألمانيا كقائد.
ومن ناحية أخرى، طوّر ستالين، الذي أجرى البحث من أجل مقالته حول القومية والماركسية في فيينا، فكرة جديدة لإمبراطورية أممية ذات قوة مركزية. وكان هذا هو النموذج الذي حكم الاتحاد السوفيتي فيما بعد.
وبعد ما يقرب من ثلاثين عامًا من إقامتهما في فيينا، اصطدمت أفكار الرجلين "هتلر وستالين" التي عملا عليها في العاصمة النمساوية، في أكثر الصراعات وحشية في تاريخ البشرية.
ورغم مرور أكثر من مائة عام على إقامة ستالين في فيينا، لا يزال الرجل محل جدل كبير، حيث تضغط العديد من الأقلام والقوى السياسية لإزالة النصب التذكاري بسبب تورط الرجل في "كثير من الحوادث والاغتيالات والمذابح التاريخية"، لكن بلدية فيينا ترفض الأمر لأنه جزء من تاريخ المدينة.