"العصا والجزرة".. ثنائية السياسة الإسرائيلية تجاه غزة
خبير الشؤون الإسرائيلية يقول إن الإسرائيليين ليس لديهم استعداد لإعطاء الفلسطينيين استقرارا في أي منطقة
ما بين تهديد بشن عملية عسكرية ضد غزة وحديثٍ عن مشاريع اقتصادية بصبغة إنسانية، تفاوتت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الآونة الأخيرة، لتعكس سياسة "العصا والجزرة"، وسط تشكك فلسطيني في أفق التوجهات الإسرائيلية.
ففي غمرة حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن مساعٍ جارية للتوصل لهدنة طويلة الأمد مع حركة حماس والفصائل بغزة، لوح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في تصريحات له الأحد الماضي، بتنفيذ عملية عسكرية ضد القطاع إن احتاج الأمر لذلك، وفق قوله، وهو تهديد كرره مرات عدة في الآونة الأخيرة.
بينيت يهدد بعملية خاطفة
ومن داخل بلدة سديروت المحاذية لقطاع غزة وفي اليوم نفسه، جاءت نبرة التهديد أكثر وضوحا من وزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينت بعد إطلاق صواريخ من غزة باتجاهها.
وبحسب القناة 7 الإسرائيلية فإن بينت قال خلال الزيارة: "نحن بحاجة إلى الانتقال من الدفاع إلى هجوم، وسنعمل في غزة في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة والقوية، لكن بهدوء.. وليس عندما يكون الطرف الآخر ينتظرنا"، مضيفا أن "خصومنا اعتادوا على إطلاق النار على (إسرائيل)، ونحن بحاجة إلى تغيير ذلك".
جزيرة صناعية
المفارقة أن بينيت الذي أطلق تهديدته تلك، هو نفسه الذي وافق مبدئيا على اقتراح وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، وبحثته الحكومة الإسرائيلية مطلع الشهر الجاري، يتضمن إقامة جزيرة غزة الصناعية.
وسبق لكاتس أن طرح الفكرة قبل سنوات عدة إلا أن معارضة وزير الجيش الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان أدى إلى تهميشها في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت".
وما بين التلويح بـ"عصا" العمليات العسكرية أو الحرب الرابعة على غزة و"جزرة" مشاريع توصف بأنها ذات صبغة إنسانية، يعلو الحديث عن مساعٍ كبيرة لتنفيذ صفقة كبيرة بين حماس وإسرائيل، يجري خلالها التوصل لهدنة طويلة وإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى بغزة، مقابل هذه المشاريع.
على الصعيد الفلسطيني الرسمي هناك تحذيرات من خطط إسرائيلية لفصل غزة عن الضفة وتهيئة الأجواء لتنفيذ ما يعرف بصفقة القرن، وسط تقدير بأن هذه المشاريع وضمنها المستشفى الأمريكي وما يدور الحديث عنه جزيرة صناعية أو ميناء قبالة غزة.
إسرائيل لن تعطي شيئا
ويجزم الدكتور عمر جعارة، خبير الشؤون الإسرائيلية، أن الإسرائيليين ليس لديهم استعداد لإعطاء الفلسطينيين استقرارا في أي منطقة، لأنهم لا يقبلون بوجود فلسطيني واحد على الأرض.
ويستبعد جعارة، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، التوصل لأي هدنة طويلة، جازما أن إسرائيل لن تقدم شيئا للفلسطينيين، مبينا أن نتنياهو ووزراءه يريدون أن يؤكدوا للجمهور الإسرائيلي أن سياستهم ناجعة في غزة.
وقال إن "إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات الرسمية الموقعة برعاية دولية فهل ستلتزم بهدنة في غزة؟ هذا غير وارد في السياسة الإسرائيلية التي تدمر الضفة بإجراءات عسكرية لا تتوقف"، مشيرا إلى أن كل التهدئات التي جرى الحديث عنها من قبل خرقتها إسرائيل.
سيناريو المواجهة العسكرية
ولم يستبعد لجوء نتنياهو للمواجهة العسكرية لأسباب سياسية؛ قائلا: "إذا أيقن نتنياهو أنه سيكون في مهب الريح إذا ما جرت انتخابات، فإنه على الأرجح سيذهب لشن حرب شرسة ضد غزة ليحرز فيها نصرا واضحا يكون رافعة قوية له في صناديق الانتخابات".
وخلال عام 2019، شنت إسرائيل 3 جولات تصعيد كبيرة كادت تتحول إلى حرب رابعة، لولا الجهود المصرية التي نجحت في احتوائها.
التضليل السياسي
ويبدو أن سيناريو "العصا" هو المرجح أيضا عند الدكتور كمال الأسطل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر، منبها إلى أن إسرائيل تخطط للتضليل السياسي.
وأوضح الأسطل، لـ"العين الإخبارية"، أن ذلك من خلال الحديث عن الفشل الاستخباري الذي منيت به وحدة سييرت ميتكال شرق خان يونس قبل عام، في إشارة إلى وحدة إسرائيلية كشفت خلال عملها جنوب قطاع غزة وقتل قائدها وأصيب مساعده، في حين قتل 7 نشطاء من حماس خلال المواجهات معها.
وقال: "تظهر إسرائيل الآن أنها تعرضت لفشل أمني كبير حتى تسترخي الفصائل الفلسطينية لهذا الإنجاز، لتوجه على إثره إسرائيل ضربة مباغتة وقوية لغزة ترد من خلالها الاعتبار لأجهزتها العسكرية والأمنية، وتحقق من خلالها سياسة الردع".
ويحذر أستاذ العلوم السياسية من "الهدنة الطويلة"، واصفا إياها بأنها "تدمير للقضية الفلسطينية بأيدي أبنائها".
الهدنة الطويلة خطر
وأوضح أن هدنة من هذا النوع ستنهي السقف السياسي للقضية الفلسطينية وتستعيض عنها بنضال مطلبي ومعيشي لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للسكان بغزة و"هذا أمر خطير.. والعالم يتفهم الوقوف مع غزة إنسانيا".
ورأى أن الحديث عن مشاريع إنسانية مقابل هدنة يتم خلالها إعادة جنود الاحتلال المحتجزين بغزة أمر وارد "لكن ستبقى الهدنة حبر على ورق".
وخلص إلى أن "إسرائيل لن تعطي حماس ما تريد والأخيرة يتم تشديد حصارها في غزة خاصة أنه لم يعد لها صديق خارجي حتى تركيا التي يزورها رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية لها سياسات جديدة مع حماس كإبعاد عدد من كوادرها عن أراضيها وغيرها".
وأضاف: "إسرائيل تدرك تغير خارطة العلاقات الخارجية مع حماس، لذلك ستضيق الخناق عليها وربما في نهاية المطاف توجه لها ضربة قاسية بغزة".
وعود بلا تنفيذ
ويفند الدكتور معين رجب، الخبير الاقتصادي "جزرة" إسرائيل، مبينا أن "وعود التحسين الاقتصادي لغزة تتكرر من وقت لآخر من إسرائيل وهي غير جادة في هذا الأمر.. بل هي معنية بألا تحدث نهضة اقتصادية في غزة ومعنية بإبقاء السكان مشغولين بتوفير مستلزمات معيشتهم اليومية".
وقال رجب لـ"العين الإخبارية": "إسرائيل عادة ما تتحكم في مفاتيح الاقتصاد لأنه هو المتحكم في القطاعات الأخرى، إسرائيل تريد كل شيء لها دون أن تعطي غزة أي شيء هذه هي سياستها.. تريد أن تأخذ ثمنا أمام أي تسهيلات، وهي تسهيلات بكل تأكيد لن تنقذ الاقتصاد المتردي بغزة بسبب إجراءاتها".
aXA6IDE4LjExOC4xMzcuOTYg جزيرة ام اند امز