تستدعي الذاكرة هذه الأحداث في عجالة ونحن أمام أحدث تطورات العلاقة بين الأمريكيين والإخوان، بعد مشروع القانون الذي وقعه الرئيس ترامب.
يوما تلو الآخر تثبت الأيام والسنون أن جماعة الإخوان المسلمين لا تتمتع بأي مصداقية، وأن خيوط الصدق عندها كما خيوط العنكبوت، ذلك أن القاصي والداني يتذكر تغنيها بمحاربة الأمريكيين وإضمار الكراهية لهم، بدعاوى متباينة بعضها يبدأ من عند الذود عن الإسلام في مواجهة أمريكا الصليبية التي تبغي القضاء على المسلمين، والبعض الآخر بدعوى حماية الأوطان العربية من الإمبريالية الغربية، في حين أن ما تجود به أجهزة الاستخبارات الأمريكية بين الحين والآخر يبين العلاقة العضوية بين الأمريكان والإخوان، وقد كان آخر تلك الوثائق ما تمت إتاحته للعوام والإعلام في الداخل الأمريكي قبل أيام معدودات، في شكل تقرير أعدته المخابرات المركزية الأمريكية عام 1986 وفيه يتضح، وبجلاء منقطع النظير، الإرهاب القائم والقادم من رحم الإخوان، وصولا إلى الرغبة في التعاطي مع الأمريكيين.
عاصفة ترامب تكاد تصيب الإخوان عربيا وأمريكيا وعالميا بـ"تسونامي" غير مسبوق، وعلى الباغي تدور الدوائر، حتى وإن مضت على وجود التنظيم الظلامي عقود طوال
ليس هاهنا مقام تفصيل الكلام عن تلك الوثائق وعلى مَن يرغب في الاستزادة التوجه من فوره إلى بلدة أبيلين بولاية كنساس الأمريكية، حيث توجد ثروة معلوماتية تحتويها وثائق الرئيس أيزنهاور في المكتبة التي تحمل اسمه، وهناك تحديدا وثيقة عرفت باسم The Appointment Book وتتكون من 1400 صفحة مقسمة إلى أجزاء حسب السنوات، وفيها شرح تفصيلي لبداية العلاقة بين أمريكا والإخوان، وكيف أقام الإخوان ترتيبات عمل منظمة مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، بدأت مع دعوة سعيد رمضان زوج ابنة المرشد حسن البنا، لحضور مؤتمر في أمريكا عام 1953، ومن يومها أخذت هذه العلاقة تتطور وتتسع، والرجوع تحديدا إلى كتاب الأمريكي روبرت دريفوس والمسمى "لعبة الشيطان"، يفتح الأعين والأذهان على أسرار عميقة وخطيرة.
في تلك الفترة كان وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس يؤسس لما عرف لاحقا بنظرية "لاهوت الاحتواء"، أي احتواء الاتحاد السوفيتي ومواجهة ومجابهة الشيوعية، ووقتها استطاع التنظيم أن يقدم نفسه على أنه الحليف الأكثر موثوقية وموضوعية، وجاء الغزو السوفيتي لأفغانستان بعد عقدين ونصف من انطلاق العلاقة بين الطرفين، ليعزز من تشابك العلاقات التي تعرضت للانفصام تقريبا في صباح الثلاثاء الأسود الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001.
تستدعي الذاكرة هذه الأحداث في عجالة ونحن أمام أحدث التطورات المرتبطة بالعلاقة بين الأمريكيين والإخوان المسلمين، بعد مشروع القانون الذي وقعه الرئيس ترامب على هامش الموافقة على موازنة الدفاع الأمريكية، وفيه يوصي مجلس النواب الأمريكي باعتبار تنظيم الإخوان المسلمين تهديدا للولايات المتحدة، ويبقى التساؤل ما الذي جرى، وما المتوقع حدوثه عما قريب؟
الجواب ولا شك يضعنا أمام استحقاقات الرئاسة الأمريكية الحالية وعلى رأسها الرئيس ترامب، والذي يمكن تصنيفه بدرجة أو أخرى من اليمين الأمريكي، عطفا على أن البعض من أركان إدارته يمكن وبأريحية كبيرة النظر إليهم بوصفهم من عمق اليمين، كما الحال مع وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
أقل من عامين بقليل انقضيا على فترة ترامب الأولى، وقد أثبت الرجل بما لا يدع مجالا للشك أنه قادر على الإيفاء بوعوده وعهوده التي قطعها على نفسه أثناء حملة الانتخابات الرئاسية 2016، فقد تحدث عن القدس وما لها وما عليها وفعل كل ما قاله، وعن منع دخول مواطني جنسيات من دول بعينها وأوفى، فهل حان الآن موعد تنفيذ وعده باعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وتجريمها مرة وإلى الأبد؟
الشاهد أن الخارجية الأمريكية وحتى الساعة لا تنظر إلى الإخوان نظرة إجمالية، بل تكاد تضع تصنيفات وتبويبات لدى الجماعة الزئبقية، فقد اعتبرت جماعات مثل "حسم ولواء الثورة" في مصر جماعات إرهابية، وكذلك حماس في غزة، والجميع يعلم أنها رشحت عن فكر الإخوان، لكن يظل التنظيم الأم بعيدا عن متناول وصفه بالإرهابي.
ليس سرا أنه طيلة أكثر من سبعة عقود استطاع الإخوان المسلمين في الداخل الأمريكي ترسيخ حضورهم وتجذير جذورهم في كل مناحي الحياة، وللناظر أن يجدهم على المستوى الأكاديمي في الجامعات الأمريكية، وفي مجالات الأعمال، عطفا على مؤسسات المجتمع المدني، حيث أفضل فرصة للتدثر بروح القانون الأمريكي، وتاليا أعمال أجنداتهم المؤدلجة منذ زمان وزمانين، الأمر الذي بات يستدعي نظرة أكثر عمقا واستشرافا من قبل القائمين على الأمن القومي الأمريكي وإشكالية الديموغرافيا الأمريكية المتغيرة وهذه قصة تحتاج إلى حديث مطول.
شيء ما يدعونا لتوقع فعل حاسم وحازم في مدى العام الذي حدده مشروع القرار لتنسيق جهود جميع الجهات الاستخبارية الأمريكية عطفا على الخارجية والدفاع، وفيه تتحتم إعادة رصد أصول الإخوان أمريكيا وأمميا، وأهدافهم الاستراتيجية ووضعها من جديد تحت عدسات مكبرة لاستبيان خفاياها، ناهيك عن نشاطات الإخوان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولائحة بفروع الإخوان وأتباعهم من التنظيمات، وكذا تبيان مصادر تمويلهم، وهيكلية التنظيم وقياداته، وأي مسائل أخرى يعتبرها وزير الخارجية مناسبة لمواجهة الخطر القادم بلا شك.
يمكن للمحلل السياسي المحقق والمدقق القول إن مهلة العام في واقع الأمر لا تختص بالداخل الأمريكي، فكل البيانات عن الإخوان أمريكيا حاضرة على الطاولة، والمرجح أنها فرصة للأمريكيين أنفسهم لإعادة ترتيب أوراقهم الخارجية المبعثرة في علاقاتهم مع الإخوان وفلولهم حول العالم، وبنوع خاص في الدول التي قدمت ولا تزال تقدم لهم الملاذ والدعم المالي واللوجستي، وفي المقدمة منها قطر بنوع خاص، حيث القيادات المتقدمة وعلى رأسهم القرضاوي، وتركيا ولا شك لها نصيب من هذا الوجود.
قبل أن يغادر وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون موقعه، أشار إلى أنه بعد الانتهاء من داعش والقضاء عليه، سيكون الفضاء الأمريكي جاهزا لملاقاة القاعدة التي تخطط للعودة من جديد وللإخوان التي لا تموت بالمرة، والمنتشرة في 70 دولة بحسب أعمال لجنة الأمن القومي في الكونجرس الأمريكي، ما يرعب الأمريكيين وغيرهم من الآمنين حول الكرة الأرضية.
الخلاصة.. عاصفة ترامب تكاد تصيب الإخوان عربيا وأمريكيا وعالميا بـ"تسونامي" غير مسبوق، وعلى الباغي تدور الدوائر، حتى وإن مضت على وجود التنظيم الظلامي عقود طوال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة