علاقات مترنحة.. "محطات التوتر" بين فرنسا والجزائر
توتر جديد في العلاقات بين الجزائر وفرنسا عقب هروب الناشطة أميرة بوراوي إلى باريس، دعت الجزائر إلى استدعاء سفيرها وحذرت من أن فرنسا تدفع الأمور نحو القطيعة بين البلدين.
الأزمة جاءت بعد انفراجة لم تدم طويلا في علاقات الجزائر وباريس الحساسة والمعقدة أصلا خلال العام الماضي وبداية العام الجاري، إذ شهدت تطورات متلاحقة ومتسارعة بشكل غير مسبوق كانت عنوانا لجملة من الزيارات والاتصالات والترتيبات بين قيادات البلدين.
وتسببت الناشطة السياسية الجزائرية أميرة بوراوي في أزمة جديدة، لتعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع صفر، حيث اتهمت الجزائر دبلوماسيين ورجال أمن فرنسيين بتهريبها بطريقة غير شرعية رغم كونها مطلوبة أمام القضاء الجزائري."العين الإخبارية" تستعرض بعض أبرز المحطات في العلاقة بين الجزائر وفرنسا.
الاستقلال
بعد 132 عاما من الاستعمار الفرنسي وحرب التحرير الدامية التي استمرت نحو 8 سنوات، أعلنت الجزائر في 5 يوليو/تموز 1962 استقلالها.
وفي 18 مارس/آذار 1963 وقع ممثلو البلدين اتفاقات إيفيان التي رسخت الهزيمة الفرنسية.
وأدى النزاع إلى مقتل نحو 500 ألف مدني وعسكري بينهم 400 ألف جزائري، حسب تقديرات المؤرخين الفرنسيين و1,5 مليون ضحية وفق السلطات الجزائرية.
وفي سبتمبر/أيلول 1963، بات الأمين العام لجبهة التحرير الوطني أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر المستقلة، وبعد نحو شهر أعلن تأميم الأراضي التي ما زالت مملوكة للأوروبيين.
وتم إخلاء قواعد فرنسا في رقان وبشار في الصحراء والمرسى الكبير، ثم قاعدة بوسفر بين عامي 1967 و1970.
إنهاء "العلاقات الامتيازية"
وفي يونيو/حزيران 1965 أطيح بالرئيس الجزائري بن بلة من قبل نائبه ووزير الدفاع هواري بومدين، الذي ساعده على الوصول للسلطة خلال صراعات داخلية إثر الاستقلال.
وفي فبراير/شباط 1971، أعلن بومدين تأميم خطوط أنابيب الغاز و51% من أصول شركات النفط الفرنسية، وهو ما ردت عليه باريس في أبريل/نيسان 1971 بإنهاء "العلاقات الامتيازية" مع الجزائر.
أول زيارة بعد الاستقلال
في أبريل 1975، بدأ الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان أول زيارة رسمية من نوعها إلى الجزائر المستقلة.
ولأول مرة منذ 1962، زينت أعلام فرنسا الطرق الرئيسية في الجزائر العاصمة.
وفي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 1981، أكد الرئيس فرانسوا ميتران لدى وصوله إلى الجزائر أن البلدين قادرين على التغلب على خلافات الماضي وتجاوزها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 1982، أجرى الشاذلي بن جديد أول زيارة لرئيس جزائري إلى فرنسا.
إرهاب التسعينيات
في سبتمبر 1993، تم اختطاف مواطنين فرنسيين وذبحهما، ليصيرا أول ضحيتين أجنبيتين منذ بدء الاشتباكات بين قوات الأمن والجماعات المتطرفة المسلحة عام 1992.
وفي ديسمبر 1994، اختطفت "الجماعة الإسلامية المسلحة" طائرة إيرباص تابعة للخطوط الجوية الفرنسية على مدرج مطار الجزائر العاصمة، وانتهت عملية احتجاز الرهائن في مدينة مرسيليا بمقتل الخاطفين الأربعة، ردا على ذلك، اغتيل أربعة قساوسة ثلاثة منهم فرنسيون شرق الجزائر العاصمة.
وفي مارس 1996، تم اختطاف سبعة قساوسة من ديرهم في تبحرين ثم إعدامهم، وهي عملية اغتيال لا تزال ملابساتها غامضة.
وفي يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول 1995 خلفت موجة هجمات لـ"الجماعة الإسلامية المسلحة" في فرنسا عشرة قتلى وحوالي 200 جريح.
شراكة استثنائية ثم تدهور
في يونيو/حزيران 2000، أجرى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة زيارة دولة إلى فرنسا.
في مارس/آذار 2003، وقع الرئيس جاك شيراك في الجزائر العاصمة مع بوتفليقة "إعلان الجزائر" الذي نص على "شراكة استثنائية" من أجل تجاوز "ماضٍ لا يزال مؤلما... لا ينبغي نسيانه أو إنكاره".
لكن إصدار قانون حول "الدور الإيجابي للاستعمار" شوه العلاقات بين باريس والجزائر في فبراير/شباط 2005، وصرح بوتفليقة بأن هذا القانون يكشف عن "عمى عقلي يكاد يصل إلى الإنكار وتحريف التاريخ".
مطالب بـ"اعتذار رسمي"
وبعد عام، تم إلغاء القسم المثير للجدل من القانون بمرسوم، لكن الجزائر اشترطت اعتذارا رسميا عن الجرائم التي ارتكبت في ظل الاستعمار لتوقيع معاهدة صداقة.
وفي نهاية 2007، ندد الرئيس نيكولا ساركوزي أثناء زيارته إلى الجزائر بالنظام الاستعماري دون أن يعتذر، ودعا الجزائر إلى "التطلع إلى المستقبل".
وفي نهاية 2012، اعترف فرانسوا هولاند في زيارة رسمية بـ"المعاناة التي ألحقها الاستعمار الفرنسي" بالشعب الجزائري.
احتجاجات 2020
بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2020 استدعي السفير الجزائري في فرنسا بعد بثّ فضائيات فرنسية شريطا وثائقيا حول الحراك الاحتجاجي.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن إيمانويل ماكرون سيتخذ "إجراءات رمزية" لتهدئة الذاكرة بشأن حرب الجزائر ومحاولة مصالحة البلدين، لكنه لن يقدم "الاعتذارات" التي طلبتها الجزائر، بعد نشر تقرير كُلف به المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا.
وفي فبراير/شباط 2021، رفضت الجزائر التقرير ووصفته بأنه "غير موضوعي"، منتقدة عدم "اعتراف فرنسا رسميا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفتها خلال احتلالها الجزائر"، وفق ما جاء على لسان وزير الاتصال عمار بلحيمر.
وفي أبريل/نيسان أرجئت في وقت متأخر زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس.
أزمة تصريحات
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، استدعت الجزائر سفيرها في باريس ردا على تصريحات للرئيس الفرنسي نقلتها صحيفة لوموند، اعتبر فيها أن الجزائر بنيت بعد استقلالها عام 1962 على "ريع للذاكرة" كرسه "النظام السياسي-العسكري"، وشكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، أعرب إيمانويل ماكرون عن أمله في الوصول إلى "تهدئة"، وقال "أكن احتراما كبيرا للشعب الجزائري وأقيم علاقات ودية فعلا مع الرئيس تبون".
عودة السفير
في يناير/كانون الثاني 2022، قررت الجزائر إعادة سفيرها إلى باريس بعد 3 أشهر من سحبه، اعتراضا على تصريحات ماكرون اتهم فيها السلطات الجزائرية بـ"كن الضغينة لفرنسا"، فيما اتهمت الجزائر ماكرون بـ"التدخل في شؤونها الداخلية".
وجاءت الخطوة الجزائرية عقب قرار فرنسا فتح أرشيفها المتعلق بالقضايا القانونية وتحقيقات الشرطة في الجزائر خلال حرب الأخيرة ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي يونيو/حزيران 2022، تلقى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة اتصالا هاتفياً من نظيرته الفرنسية كاثرين كولونا، اتفقا خلاله على "مبدأ تبادل الزيارات واستمرار الاتصالات"، في مؤشر آنذاك إلى "عودة الدفء لعلاقات البلدين" بعد أشهر من التوتر.
زيارة ماكرون
وفي أغسطس/آب 2022، ووجدت باريس والجزائر الطريق لتحسين العلاقات بينهما خلال زيارة قام بها الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، ساهمت في كسر الجمود بين البلدين، حيث تعهد الجانبان بمواصلة العمل على الذاكرة المشتركة وأرشيف فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر والمصالحة بين البلدين.
زيارة بورن
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زارت رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن الجزائر لعقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى الجزائرية-الفرنسية، حيث تمخضت عن 11 اتفاقية في العديد من المجالات بينها السياحة والتكنولوجيا.
زيارة مرتقبة لتبون
وفي منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الرئاسة الجزائرية أن عبدالمجيد تبون سيجري زيارة رسمية إلى فرنسا في أيار/مايو المقبل، عقب اتصال هاتفي مع ماكرون تناول العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.
أول زيارة منذ 17 عاما
وفي نهاية يناير/كانون الثاني الماضي زار رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة فرنسا في زيارة تحمل دلالة رمزية كونها الأولى لقائد جيش جزائري إلى باريس منذ 17 عاماً، حيث تعود آخر زيارة لرئيس أركان جزائري إلى فرنسا للراحل أحمد قايد صالح في مايو/أيار 2006.