صراع دولي محتدم من التنافس الاستراتيجي.. كيف تحافظ أمريكا على القمة؟
يمثل التنافس الاستراتيجي بين الدول الكبرى عاملا مهما لتقييم التوازن بينها وترجيح كفة إحداها، فكيف تنجح أمريكا في البقاء على القمة؟
وللإجابة عن هذا السؤال نشرت مؤسسة البحث والتطوير الأمريكية (راند) تقريرا مطولا حول تفهم هذا العصر الجديد من التنافس.
- شتاء الحرب الأوكرانية.. ماذا يقول ميدان الصراع؟
- بايدن يعيد ضبط بوصلة أمريكا.. استراتيجية جديدة تجاه الشرق الأوسط؟
التقرير شارك في إعداده 2 من كبار علماء السياسة بالمؤسسة وهما الدكتور مايكل جيه. مازار، والدكتور بريان فريدريك ، إضافة إلى محللة الاتصالات بالمؤسسة يفون كيه. كرين .
وذكر التقرير أن التركيز الأمريكي اتجه بصورة متزايدة نحو التنافس بين القوى الكبرى، ولكن لا يتوفر حاليا أي إطار لتفهم التنافس الأمريكي مع دولتين متنافستين قريبتين من نفس مستواها هما روسيا والصين.
واعتمادا على الأبحاث الموسعة عن الأبعاد الاقتصادية، والعسكرية، والجيوسياسية لتنافس الولايات المتحدة الاستراتيجي مع هاتين الدولتين، قام واضعو التقرير بتجميع النتائج والتوصيات عالية المستوى لدعم قرارات السياسة الفورية لضمان الميزة التنافسية للولايات المتحدة.
أسس قياس القوة الاستراتيجية
واعتمد الباحثون في تقريرهم على الاطلاع على مئات المعالجات التاريخية والنظرية للتنافس، وكذلك على مجموعات كبيرة من البيانات عن القضايا الحالية والتاريخية وأحدث ما كتب عن الأساليب الروسية والصينية بالنسبة للتنافس.
ووضع الباحثون إطارا لتقييم أي تنافس بين دولتين كبريين على أساس 4 أبعاد هي:
1- السياق العام للتنافس، 2- قوة الدولة وقدرتها التنافسية، 3- الوضع والنفوذ الدولي، و4- شكل ووضع التنافسات الثنائية.
وهذا الدليل لتفهم العصر الجديد للتنافس الاستراتيجي والنجاح فيه يجمع معا دروسا تاريخية وأحدث البيانات عن التحالفات العالمية، ونقاط قوة الاستقلال الاقتصادي، والمزايا التكنولوجية والعسكرية، والمصالح القومية.
وعلاوة على ذلك، التأكيد على مجموعات الأولويات العريضة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة واستثماراتها.
نقاط القوة الأمريكية
ومن أبرز النتائج التي حددها التقرير هي أن نجاح الولايات المتحدة في التنافس الاستراتيجي يعتمد على الحفاظ على قوتها الاقتصادية والتكنولوجية.
ولفت إلى أن الحفاظ على الوضع التنافسي لأمريكا يتطلب قوة اقتصادية، وقيادة في الصناعات الرئيسية، والتمركز في صدارة الابتكار التكنولوجي.
فمن الناحية العسكرية، تتمثل أكبر التهديدات التي تواجهها أمريكا في التنافس مع الصين وروسيا في الابتكارات التكنولوجية التي تهدد الطرق الأمريكية لخوض الحرب وأمن الشبكات والنظم التي تعتمد عليها قواتها.
ويعتمد التنافس الحالي بين الدول الكبرى أساسا على طابع النظام الدولي.
فتنافس أمريكا مع الصين وروسيا يشمل مصالح عسكرية، واقتصادية، وجيوسياسية متقاطعة متعددة، ولهذا التنافس تداعيات مهمة بالنسبة للنظام الدولي.
وما زالت أمريكا في وضع تنافسي قوي. ومع ذلك، يعتمد نجاحها على المدى الطويل على الحفاظ على وضع اقتصادي قوي واستعداد للمشاركة اقتصاديا على نطاق دولي؛ يتمثل في التنسيق بين الحلفاء والشركاء الرئيسيين؛ والنفوذ الأيديولوجي بالنسبة للقواعد والأعراف والمؤسسات الدولية؛ والتمتع بوضع عسكري عالمي قوي بالمقارنة بالدول المنافسة الأخرى.
لاعبون آخرون في الطريق
وتعمل الصين، بوجه خاص، من أجل إعادة صياغة القواعد والأعراف والمؤسسات الدولية السائدة بالإضافة إلى زيادة قدراتها العسكرية.
وأكد التقرير أن الصين في طريقها لأن تصبح لاعبا قياديا في السياسة العالمية، إلى جانب أمريكا لكن ليست متفوقة عليها.
ولفت إلى أنه مع مرور الوقت ستكون أيضا الهند، والاتحاد الأوروبي، واليابان- وهي في حالة مزيد من القوة - ضمن القوى الرئيسية في العالم.
ومن ناحية أخرى، هناك كثير من الدول في آسيا مصممة على مقاومة القسر الصيني. ويعتبر احتمال الهيمنة الصينية الإقليمية الكاملة، ناهيك عن الهيمنة العالمية، ضئيلا.
كيف تحافظ أمريكا على تفوقها؟
ومن أبرز التوصيات التي تضمنها التقرير، ضرورة أن تشمل أولويات السياسة الأمريكية الحفاظ على القوة والمرونة الاقتصادية والمالية، والاحتفاظ بصدارة أو قيادة الصدارة في التكنولوجيات والصناعات الناشئة.
إضافة إلى حماية البيئة المعلوماتية، وتطوير آليات وأساليب لدعم التنافس الحالي، والحفاظ على المستويات الحالية للنفوذ الأمريكي في المؤسسات العالمية.
وأوصى التقرير بضرورة أن تعطي الاستثمارات الدفاعية الأمريكية الأولوية للتبني السريع للتكنولوجيات الناشئة من أجل الاستخدام العسكري، وحماية النظم العسكرية الابتكارية من سرقة الملكية الفكرية أو مهاجمتها.
كما أوصى بتطوير الإمكانيات للمشاركة مع الخصوم أسفل سقف الحرب، والحفاظ على التحالفات وتعميقها، وتطوير مفاهيم وقدرات مشتركة لتحقيق الأهداف العسكرية القصيرة والطويلة المدى.
ومن بين ما أكد عليه الباحثون في ختام تقريرهم القول إن أساس النجاح في التنافس الاستراتيجي لم يتغير بالنسبة للقوى الكبرى وهو الديناميكية الأساسية للدولة، وقوتها الاقتصادية، والتعامل مع التحديات المحلية الرئيسية، ابتداء من بيئات المعلومات الفاسدة والاستقطاب الاجتماعي إلى تزايد عدم المساواة.
ويعتبر هذا شرطا أساسيا للنجاح طويل الأمد للقيادة العالمية من جانب أمريكا وميزتها التنافسية.
كما أكد التقرير أن المجالات الرئيسية للتنافس تتطلب جهدا تعاونيا متزايدا من كل أجهزة الحكومة الأمريكية بما في ذلك اتخاذ خطوات لتعزيز أدوات فن الحكم غير العسكرية.