بغداد - واشنطن.. حوار استراتيجي يحبط إيران
خبراء ومعنيون بالشأن السياسي العراقي أشادوا بمخرجات مباحثات الحوار الإستراتيجي المنعقد بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية.
اجتماعات اختتمت الأربعاء عبر تقنية "الفيديو" ضمن الجولة الثالثة والأولى في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأكد خبراء أن صانع القرار السياسي قادر على تقديم المصلحة الوطنية دون الرضوخ لضغوط "اللادولة" الساعية إلى تجيير الحوار لصالح أجندات وبرامج تنسجم مع الإرادة الإيرانية.
وخلال الحوار، ناقش الجانبان عدداً من الموضوعات تعنى بالتواجد الأجنبي في العراق ومسائل تتعلق بالطاقة والاقتصاد وجهود الدعم التي ستوفرها واشنطن لبغداد في مجالات شتى.
واستطاعت المباحثات الاستراتيجية البت في موضوع مصير القواعد الأمريكية وطبيعة الجهد العسكري الذي يتطلبه العراق من قبل قوات التحالف الدولي. فيما يؤكد محللون سياسيون أن حكومة مصطفى الكاظمي استطاعت تجاوز "مسمار جحا"، وتفويت الفرصة على الفصائل المسلحة التي تستهدف مصالح واشنطن.
وعقب انتهاء اجتماع الحوار الاستراتيجي، وإعلان مضامين ما جرى من تفاهمات خلال الجلسة عبر بيان مشترك للجانبين، هاجم الكاظمي "التدخلات الإيرانية"، داعياً ساسة طهران إلى كبح جماح مليشياتها في العراق.
وتعليقا على ذلك، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي العراقي، علي الكاتب، أن "خطاب الكاظمي الذي أعقب انتهاء الحوار بين بغداد وواشنطن، استهدف سياسة طهران في العراق بشكل صريح بغية التعامل مع نتائج الجولة الثالثة على أنها وقائع وحقائق وعليها التزام حسن الجوار السياسي والجغرافي، وبخلاف ذلك سيكون للحديث شأن أخر".
وقال الكاتب، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "طهران حاولت، عقب انتهاء المباحثات الاستراتيجية، تصديرها على أنها انتصار لمليشياتها في العراق بعد تحديد مهام التحالف الدولي عند الجوانب الاستشارية وليس القتالية".
ويعتقد الكاتب أن في ذلك "تلاعبا بالنتائج ومحاولات يائسة من طهران لتصدير نفسها بلباس المنتصر لأذرعها في الخارج الإقليمي، فيما سحبت بغداد عبر الحوار، بساط نفوذ القوى السياسية الموالية للخارج من تأثيرها على القرارات السيادية المصيرية".
ومستدركا: "المفاوض العراقي جلس يتحدث مع الجانب الأمريكي برؤية وطنية كان من مخرجاتها تثبيت مهام قوات التحالف بشكل رسمي وتوضيح الحاجة الماسة لها في ظل التحديات الإرهابية دون ريبة أو خشية من ردود أفعال المليشيات ومن يقف وراءهم".
وكان السفير الأمريكي في بغداد، ماثيو تولر ، أكد، الخميس، أن الحوار الاستراتيجي ناقش أطراً مختلفة شملت الأمن ومكافحة الإرهاب والصحة والثقافة والاقتصاد، مشيرا خلال حديث متلفز ، إلى أن "مهام التحالف الدولي ستنحسر بالتدريب والمشورة ودعم القوات المسلحة وأنها جاءت إلى العراق بطلب من حكومة بغداد".
فيما ذكر مساعد رئيس وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، أن بغداد لم تطلب من واشنطن، خلال جلسة الحوار الثالثة، سحب قواتها من العراق".
خيبة أمل
من جانبه، يرى الأكاديمي، عقيل عباس، أن التباحث الاستراتيجي اُخرج بطريقة دبلوماسية جرى بموجبها تحويل قضية التواجد الأمريكي في العراق من بعده السياسي إلى الفني، وهو ما "جعل الفصائل المسلحة تصاب بخيبة أمل بعد أن كانت تجد في عدم وضوح ذلك الأمر ورقة ضغط تمارسها ضد الحكومة العراقية".
ويضيف عباس، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تلك الفصائل المليشياوية تحمل أيديولوجيات مرتبطة بطهران، تحاول زج العراق بأكبر قدر ممكن لدخول الصراع الأمريكي الإيراني".
لكن وعلى ما يبدو، فإن تلك المساعي بدأت بالاندحار بعد جلسة أمس التي جاءت بمفردات وطنية وقرار سياسي حكيم لم يسمح فيه لأي تنازلات لإرضاء المليشيات، كما حصل في جولة المفاوضات الأولى والثانية التي تضمنت إخراج أكثر من ألفين من قوات التحالف"، بحسب عباس.
عباس لفت إلى أن "الكاظمي يحظى بدعم معنوي من قبل الكثير من القوى السياسية ولكن بشكل غير معلن، فضلاً أن المزاج الشعبي العام مستاء جداً من ممارسات المليشيات وهجماتها المتكررة وخرقها لقدسية القانون والدولة".
وبشأن تقاطع مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي، مع قرار صوت عليه البرلمان مطلع العام الماضي بشأن إخراج القوات الأجنبية، أوضح الخبير القانوني سلام الشمري، أن "مجلس النواب ليس لديه الحق في اتخاذ قرارات تنفيذية تقع ضمن مهام الحكومة، وبالتالي فإنها غير ملزمة بالتعامل مع هكذا نصوص وبنود ".
ويعطف الشمري بالقول في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مصرة على بقاء قواتها في العراق، ولا تريد أن تنسحب تحت الضغط كما أن الحكومة العراقية غير مستعدة لتلك الضغوط".
وحول قدرة العراق على منع هجمات المليشيات التي تهدد مخرجات الحوار الثالث، يرى الشمري أنه "من المعيب أن لا تستطيع الحكومة العراقية حماية البعثات الدبلوماسية وهي تملك مليون عسكري وتنفق على التسليح ما بين 20
إلى30 % من الموازنة العامة".
وعشية انعقاد الحوار الاستراتيجي في جولته الثالثة، هددت فصائل مسلحة بتصعيد عملياتها ضد قواعد التحالف الدولي ومصالح واشنطن في العراق ما لم يطرح خلال الجلسة موضوع إخراج القوات الأجنبية .
ووفق الشمري، فإن "الحكومة قادرة تقنيا وعسكريا ولوجستيا على كبح جماح الفصائل الموالية لإيران، ولكن المشكلة تكمن في كونها سياسية وتحتاج إلى موقف وطني موحد تجتمع عنده القوى السياسية وهو ما لا يتوفر حاليا وليس بالاستطاعة الحصول عليه".