إرنست سترومر.. الألماني "أبو الديناصورات المصرية"
قبل نحو 110 أعوام من الآن، وصل العالم الألماني إرنست سترومر على ظهر سفينة كليوباترا إلى ميناء الإسكندرية، قاصدا صحراء الواحات البحرية.
بدأ "سترومر" رحلته الاستكشافية الثالثة التي منحته لقب "أبو الديناصورات المصرية"، وكانت له رحلتان لمصر قبل هذه الرحلة، حيث سافر إلى الفيوم في عام 1901، وهو موقع أحفوري اكتشفه عالم النبات الألماني جورج أوغست شفاينفورث، وبدعم من الأكاديمية البافارية للعلوم والإنسانيات، وأجرى رحلة استكشافية ثانية في عام 1902، وكانت الرحلة الثالثة التي قادت لاكتشاف الديناصورات إلى الواحات البحرية.
ولم تكن الرحلة إلى الواحات البحرية بالأمر الهين على العالم الألماني، بدءا من وصول السفينة التي تقله إلى ميناء الإسكندرية في 7 نوفمبر من عام 1910، وحتى وصوله إلى منطقة الواحات البحرية في 11 يناير 1911.
ويحكي العالم البريطاني ثوم هولمز في كتابه "آخر الديناصورات" الصادر عام 2008، بعض من تفاصيل هذه الرحلة المرهقة، والتي بدأت مع الوصول إلى الميناء، حيث لم يخرج من السفينة ويبدأ رحلته في يوم وصوله (السابع من نوفمبر)، بل ظل محتجزًا لمدة يومين، بعد أن تم إبلاغ قبطان السفينة عن حالة يحتمل إصابتها بالكوليرا، ليفُرض على الركاب حجر صحي حتى التأكد من عدم انتشار العدوى، وأطلق سراحهم بحلول مساء يوم الأربعاء الموافق التاسع من نوفمبر، ليقضي سترومر ليلته في أحد فنادق الإسكندرية، وينطلق بعدها صباحا إلى القاهره، للبدء في رحلته نحو الواحات البحرية.
كان الهدف من الذهاب إلى القاهرة أولا هو الحصول على إذن من السلطات الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية وبالطبع السلطات المصرية، وتمكن بصعوبة من ذلك، بسبب تدهور العلاقات الدبلوماسية في تلك الفترة مع ألمانيا، ليصل أخيرا إلى الواحات البحرية في 11 يناير 1911، أي بعد نحو 64 يوما من وصوله إلى مصر.
وبدأ "سترومر" مهمته رسميا في 17 يناير والتي قادته مع مساعده (ريتشارد ماركغراف)، إلى اكتشاف أربعة ديناصورات هائلة هي (باهارياصور) أي "ديناصور الواحات البحرية"، و(إيجيبتوصور) وتعني "السحلية المصرية"، و(كاركارودونتوصور)، و(سبينوصور أيجيبتيكاس).
ويعد الديناصور الأخير هو الأشهر وذلك لمواصفاته العملاقة والغريبة، حيث يُقدر أن هذا المفترس العملاق يتراوح بين 50 و57 قدمًا (15 إلى 17 مترًا) مع أشواك طويلة بشكل غير عادي على ظهره، والتي ربما شكلت على الأرجح بنية كبيرة تشبه الشراع.
وكما كانت رحلة "سترومر" إلى مصر مليئة بالصعوبات، كانت رحلة سفر حفرياته إلى ألمانيا مليئة بالصعوبات أيضا، وبسبب التوترات السياسية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى، تضررت العديد من هذه الحفريات بعد فحصها من قبل السلطات الاستعمارية، ولم تصل إلى ميونيخ حتى عام 1922، وساعد في ذلك عالم الأحافير السويسري برنارد باير (1885-1963)، وهو طالب سابق وصديق لسترومر، حيث تحمل تكلفة الشحن من القاهرة.
وكان "سترومر"، قد أعد متحفا خاصا لاستقبال هذه الحفريات، ليكون على موعد مع مأساة جديدة في 24 أبريل 1944، عندما قصفت غارة لسلاح الجو الملكي البريطاني، إبان الحرب العالمية الثانية، المتحف وحرقت مقتنياته، لتضيع مع هذه الغارة تلك الحفريات الهامة، التي كان قد تم توثيقها في دراسات علمية.
وتحمل الحرب مأساه ثانية لـ"سترومر"، حيث كان هذا العالم من الرافضين بقوة للنازية، لكن هذا الرفض كلفه غالياً، حيث تم إرسال أبنائه الثلاثة إلى الجيش الألماني، ومات اثنان منهم في القتال، وتم أسر الثالث وسجنه في الاتحاد السوفيتي لعدة سنوات، وتم ترحيله إلى ألمانيا في عام 1950، أي قبل وفاة "سترومر" بعامين في عام 1952.
وبعد 48 عاما من وفاة العالم الألماني، توجهت في عام 2000، بعثة جديدة لعلم الأحافير إلى الواحات البحرية بقيادة العالم الأمريكي جوشوا سميث، مع الجيولوجي المصري يسري عطية، وحددوا الموقع الذي كان يعمل فيه "سترومر"، من خلال عثورهم على قصاصات من الصحف الألمانية وعلب أكل والعديد من الأشياء الأخرى، ونجحوا في استعادة بقايا من الديناصورات الأولى التي اكتشفها سترومر وماركغراف، ومن بينها ديناصور أطلقوا عليه اسم "باراليتيتان سترومر"، نسبة إلى العالم الألماني الذي بات يعرف في الأوساط الأكاديمية بـ "أبو الديناصورات المصرية".