أعداء مصر لا يريدونها قوية فتكبر، ولا يريدونها ضعيفة تهددهم بتصدير أكبر نزوح ومخاطر في المنطقة بالذات في اتجاه إسرائيل
منذ بدء التاريخ.. دور مصر وحجمها وقوتها تشغل بال الجيران، والحلفاء، والأعداء على حد سواء.
في جميع حالات القوة والضعف تشكل مصر إشكالية كبرى.
«الدور، التاريخ، عبقرية المكان»، حسب وصف أستاذنا العظيم جمال حمدان، مثلث أساسي لا يمكن تجاهله في تحليل ماضي وحاضر ومستقبل مصر.
لا يريدون لمصر أن تسقط تماماً فلا يعرفون التعامل مع آثار وشظايا سقوطها المدوي، وأيضاً يخافون الصعود القوي للمكان والمكانة لمصر حتى لا يجعل منها قوة «سوبر» استراتيجية تتحدى المشروع التركي العثماني، والفارسي الإيراني، والصهيوني الإسرائيليمصر قدرها ألا تكون قوية بالشكل الذي يجعل منها إمبراطورية، وقدرها ألا تكون ضعيفة إلى حد أن تصبح دويلات منقسمة تهدد مَن حولها.
مصر القوية تصبح قوة «سوبر» إقليمية، فتحارب التتار والمغول والهكسوس والعثمانيين والفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين.
ومصر ظلت تتعرض لمحاولات الغزو من هولاكو، ونابليون، والسلطان العثماني، وديفيد بن جوريون، وجولدا مائير، لكنها استطاعت «بالقليل القليل من الإمكانات واللامحدود من الإيمان والعزيمة» أن تُبقي على مشروع الدولة الوطنية الواحدة الموحدة.
ما زالت مصر موضوعة على خارطة مشروع التقسيم الشهير الذي أعدته مراكز الدراسات الأمريكية عام 1981 والذي كتبه «برنارد لويس» الذي يسعى إلى تفتيتها إلى 4 دويلات:
إسلامية، وقبطية، ونوبية، وأمازيجية، من الشرق إلى الجنوب، ومن الوسط إلى الغرب.
ما زال مشروع محاولة استنزاف وابتزاز مصر يعمل بكل طاقته: تهديد لشريان الماء من إثيوبيا إلى السودان، وتهديد لثروة الغاز من سواحل المتوسط إلى الحدود الغربية مع ليبيا، وتهديد لتشجيع الإرهاب من الحدود الشرقية عبر الحدود المشتركة بين غزة وسيناء.
وليس سراً أن محاولات تهريب السلاح عبر البحار والحدود البرية، وتهريب المخدرات وحبوب التخدير، والبضائع الفاسدة، هو عمل شرير لم يتوقف منذ يناير 2011 من أجل تحويل التقسيم من أفقي إلى عمودي!
أعداء مصر لا يريدونها قوية فتكبر، ولا يريدونها ضعيفة تهددهم بتصدير أكبر نزوح ومخاطر في المنطقة بالذات في اتجاه إسرائيل.
إذن أي مصر يريد هؤلاء؟
يريدون مصر غير القوية، وغير المنهارة، أي مصر التي دائماً في حالة "أزمة وحالة عوز" بحيث تصبح «تحت السيطرة»!
«العوز» المالي والاقتصادي، والتهديدات الأمنية في الداخل واحتمالات الغزو من الخارج تجعل صانع القرار تحت رحمة الكبار، لأنه في احتياج دائم للقمع والسلاح والدماء.
إنه مشروع تقسيم المُقسم وتجزئة المجزأ والاستنزاف الدائم لمشروع الدولة الوطنية.
بالمقابل مصر القوية، هي مركز التنوير والإشعاع على جيرانها، هي الحامية لأمن البحرين الأحمر والمتوسط، وهي القادرة على تأمين قناة السويس وباب المندب، ورعاية أمن المتوسط الملاصق للسواحل الأوروبية.
مصر المهزومة عام 1967 القابلة للانهيار خطر شديد، ومصر 2020 التي تعتبر تاسع قوة عسكرية في العالم، وصاحبة متوسط تنمية يقارب 6٪، وأعلى معدل ربحية لبورصة عالمية، والواعدة بثروة احتياطي غاز أيضاً خطر أشد.
لا يريدون لمصر أن تسقط تماماً فلا يعرفون التعامل مع آثار وشظايا سقوطها المدوي، وأيضاً يخافون الصعود القوي للمكان والمكانة لمصر حتى لا يجعل منها قوة «سوبر» استراتيجية تتحدى المشروع التركي العثماني، والفارسي الإيراني، والصهيوني الإسرائيلي.
ليس صدفة أن تفتح الحدود من السودان وليبيا وغزة منذ يناير 2011 لتهريب السلاح والإرهابيين والمخدرات.
وليس صدفة أن يبدأ في ذلك الوقت تفعيل مشروع سد النهضة.
وليس صدفة أن تلعب تركيا وقطر دوراً راعياً لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم، وليس صدفة أن يكون هناك مشروع تركي لبناء قاعدة عسكرية -في عهد البشير- في منطقة «سواكن» بالسودان، وتوقيع اتفاق أمني عسكري في طرابلس الليبية.
وليس صدفة أن تقوم تركيا بنقل دواعش سوريا والعراق ورجال جبهة النصرة والقاعدة من شمال شرق سوريا إلى ليبيا بتمويل قطري.
وليس صدفة الآن أن يقوم نظام أردوغان بمحاولة السطو على ثروات دول المتوسط من الغاز، ومنها مصر، من أجل تعطيل شركات التنقيب وإيقاف أي استكشافات جديدة.
إنه منطق القرصنة والابتزاز، أو كما يقول المثل الشعبي «يا إما فيها أو أخفيها»!
مشروع مصر القوية هو مشروع المؤسسة العسكرية الوطنية برعاية عبدالفتاح السيسي، إنه مشروع الحفاظ على الدولة الوطنية من خلال تحقيق الاستقرار الكامل وعمل برنامج طموح للإصلاح الشامل.
استنزاف مصر في الداخل أو على حدودها البرية أو البحرية يجمد أو يوقف مشروع النهضة الذي يحلم به ويعمل من أجله الرئيس السيسي.
تهديد ثروات مصر من المياه أو الغاز هو تهديد وجودي لمستقبل 104 ملايين مصري.
من هنا يصبح تحدي الرئيس السيسي هو مزيج «الحكمة والشجاعة والصبر الاستراتيجي» في إدارة هذا الصراع الوجودي، بشكل يحقق مصر القوية ولا يوقعها في شرَك مصر الضعيفة.
دائماً نقول: «وما النصر إلا من عند الله» صدق الله العظيم.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة