أزمة التشرّد تُلاحق آلاف الأطفال في ولاية كاليفورنيا
30 % من التلاميذ المشردين يُضطرّون إلى العيش داخل مرائب لا تشمل في كثير من الأحيان أيّ تجهيزات أو مرافق صحية.
تتفاقم أزمة المشردين في كاليفورنيا على نطاق واسع حتى أن سِهامها تطال الأطفال، إذ يفتقد آلاف منهم لمأوى في هذه الولاية الأمريكية الأكثر تعداداً بالسكان.
وقال خوسيه رازو مدير مدرسة تيلفير الابتدائية في ضاحية لوس أنجلوس الشمالية بكاليفورنيا: "طفل في سن السابعة أو الثامنة لا يجب أن ينشغل بمسائل مثل الأكل أو المأوى أو الملبس".
هؤلاء الصغار يدرسون ويلعبون كأترابهم الآخرين ولا يميّزهم أحد عن رفاقهم إلا بِنظرة القلق في عيونهم، فمن أصل 720 تلميذاً في المدرسة، يُصنّف الربع على أنهم من المشردين.
وأُنشئت هذه المؤسسة التعليمية سنة 1945، حيث تضمّ أكبر عدد من الأطفال المشردين، ويعيش نصف التلاميذ في مساكن صغيرة يشاركونها مع أسر أخرى، نتيجة نقص الموارد.
وأضاف رازو: "عندما تكون الأم عزباء والدخل لا يتعدّى الحد الأدنى البالغ 12 دولاراً في لوس أنجلوس، يصبح شراء القوت أمراً صعباً والمعيشة معقدة".
وذكر مدير المدرسة التي ينحدر 98 % من تلاميذها من أميركا اللاتينية، لوكالة "فرانس برس": "استئجار مسكن أمر صعب، لذا تشغل كل عائلة الغرفة مع طفلين أو ثلاثة، وينامون أحياناً في غرفة الجلوس".
ويضطر حوالى 30 % من التلاميذ المشردين إلى العيش داخل مرائب لا تشمل في كثير من الأحيان أيّ تجهيزات صحية، وهو وضع عرفه خوسيه رازو نفسه خلال الطفولة.
وتقضي أقلية وقتها في التنقّل من نزل إلى آخر، بينما ينام الأقل حظوة من تلاميذ مدرسة تيلفير في قافلة أو سيارة أو مأوى مشردين.
"الفقر ليس قدراً حتميّاً"
ويصعب العيش في مثل هذه الظروف، من دون نسيان الفروض المدرسية التي ينجزها البعض داخل المراحيض، إذ تعدّ المكان الوحيد الذي يمكنهم فيه التمتع بما يشبه الهدوء والخصوصية، وفق ما رواه مُعلّمو "تيلفير".
وفي هذه المدرسة، ثمة نحو 160 تلميذاً يُعرَفون بِكونهم من المشردين، لكنّ المدير يؤكد أن العدد أكبر من ذلك بِنسبة تتراوح بين 10 و15% إذا تمّ احتساب الأشخاص الذين لم يجيبوا بشكل صحيح على الاستمارات الموزّعة عليهم، بداية العام، نتيجة "الخجل من وضعهم".
ولا تعدّ الحالات المذكورة معزولة، فقد أحصت الهيئة المسؤولة عن المدارس في لوس أنجلوس 18 ألف طفل ممن يمكن اعتبارهم مشردين.
وحسب إحصاءات وزارة التربية الأمريكية، تضمّ كاليفورنيا 250 ألف تلميذ يعيشون حياة تشرّد أو داخل مساكن مؤقتة، حيث تملك الولاية صاحبة خامس أقوى اقتصاد في العالم، الرقم القياسي في نسبة الفقر بالولايات المتحدة.
وقال خوسيه رازو البالغ من العمر 44 عاماً وهو جندي سابق في قوات مشاة البحرية الأميركية: "يجب كسر حلقة الفقر .. وأنا أروي للأطفال حكايتي مؤكداً لهم أنهم فقراء اليوم ولكنّ الأمر ليس قدراً حتمياً في المستقبل".
"الأحذية أمر أساسي"
ويخاطب رازو التلاميذ قائلاً: "قد تفقدون المنزل والعمل، لكن ثمة أمران لن يستطيع أحد أن يسلبهما منكم يوماً، وهما إرادتكم وشهاداتكم العلمية".
وإضافة إلى الوجبات الثلاث المقدّمة خلال النهار، يوفّر الفريق التربوي أيضاً وقتاً ومالاً بغية مساعدة الأطفال، إذ أوضح رازو أن "المدرّسين يُعتبرون مساعدين اجتماعيين وممرضين وأخصائيين نفسيين وأهالٍ".
ورافق مدير المدرسة وإحدى المعلمات في منتصف الشهر الفائت، بسيارة، 10 من التلاميذ الأشدّ فقراً إلى لقاء لتوزيع الإعانات، نظّمته جمعية خيرية.
وتلمع عينا الطفلة كايلا لدى تلقّيها الهدايا، التي تشمل حقيبة ظهر وملابس وكتباً، مؤكدةً لـ "وكالة فرانس برس" أنها حصلت على كتبها المفضلة "فالمطالعة هي الأهم".
أما أنجيل التلميذ في السنة الدراسية الأولى بمدرسة تيلفير، فله رأي آخر. ولا تفارق عينا هذا الطفل (6 أعوام)، الأحذية الرياضية السوداء، التي اختارها ويحرص على انتعالها طوال الوقت.
وذكر رازو وهو ينظر إلى أنجيل أن "الأحذية أمر أساسي"، حيث اشترى سابقاً على نفقته الخاصّة أحذيةً لبعض التلاميذ، بعد أن تغيّبوا عن الصفّ ذات مرة جرّاء الأمطار الغزيرة والثقوب في نعالهم.