الماشية المسروقة.. كيف تحولت إلى سلاح اقتصادي وإرهابي في الساحل الأفريقي؟

كشفت دراسة حديثة أن تجارة الماشية غير المشروعة أصبحت أداة اقتصادية ووسيلة للترهيب في آنٍ واحد، من خلال استخدامها عن طريق عدة تنظيمات.
ويتصدر المشهد في ذلك الجماعة الإرهابية JNIM المرتبطة بتنظيم القاعدة، وقوات الأمن في بوركينا فاسو، وخاصة عناصر مليشيات "متطوعي الدفاع عن الوطن" (VDP)، وهم قوات شبه عسكرية مدعومة من الجيش ومُجنّدة من السكان المحليين.
هذه النتائج وردت في تقرير نشر الأربعاء، من قبل المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود (Global Initiative - GITOC)، والتي قامت بتحليل مفصل لسلاسل الإمداد وإعادة البيع في منطقة "الحدود الثلاثية" بين بوركينا فاسو، غانا وساحل العاج.
JNIM هو اختصار لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تحالف مسلح إرهابي ينشط في منطقة الساحل، ويعد الفرع الإقليمي لتنظيم القاعدة في شمال وغرب إفريقيا.
نهب الماشية
أجرت المبادرة مقابلات مع أكثر من 150 شاهدًا في البلدان الثلاثة، من بينهم مربو ماشية، وسلطات مدنية وعسكرية، وأعضاء في مليشيات "متطوعي الدفاع عن الوطن".
وكان الاستنتاج الأول أن "نهب الماشية مرتبط بعمق بديناميكيات النزاع". ففي منطقة الجنوب الغربي من بوركينا فاسو، يُشير التقرير إلى تورط الإرهابيين من JNIM، والقوات النظامية، وكذلك قوات ميليشيا "متطوعي الدفاع عن الوطن"، "حيث يقوم الطرفان بنهب المواشي خلال اشتباكاتهم".
ومنذ عام 2024، تحول متطوعو الدفاع عن الوطن إلى "الجهة الرئيسية المسؤولة عن سرقة الماشية في جنوب بوركينا"، حسب التقرير، مما "يقوّض شرعية الدولة ويدفع إلى تداخل خطير بين الجهات الفاعلة في مكافحة الإرهاب والشبكات الإجرامية".
السيطرة والترهيب
تقوم جماعة JNIM الإرهابية بالاستيلاء على الماشية إما من خلال السرقة العنيفة، أو بفرض نوع من الضرائب على المزارعين في المناطق التي تسيطر عليها. ويذكر التقرير أسماء بعض القادة الإرهابيين وشبكات التهريب المتورطة.
وأضاف: "سواء JNIM أو VDP، فإن كلا الطرفين يستخدم سرقة الماشية كوسيلة للسيطرة وبثّ الرعب"، حيث يستهدفون الرعاة ومواشيهم لترويع السكان، وإجبار المجتمعات المحلية على الخضوع لسلطتهم، ما يؤدي إلى نزوح السكان داخليًا.
آثار كارثية على المجتمعات
النتائج على المجتمعات مدمرة، مع خسائر اقتصادية فادحة — "سرقة واحدة فقط قد تؤدي إلى انهيار أسرة بأكملها"، بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي. ويوثق التقرير سرقة آلاف الحيوانات، مشيرًا إلى أن "في بعض المناطق، فُقد أكثر من 70% من المواشي منذ عام 2022، إما بسبب السرقة أو هروب المزارعين".
وللدفاع عن أنفسهم، بدأ بعض الرعاة بتسليح أنفسهم أو التحالف مع جماعات مسلحة، مما يعمّق دوامة العنف والصراع.
غانا.. السوق الأساسي
تُهرّب الماشية المسروقة وتُباع سرًا في المناطق الحدودية من ساحل العاج، وتحديدًا في منطقة "بوكاني"، ولكن بشكل أكبر في منطقة "القطاع الغربي الأعلى" بغانا، والتي يوصفها التقرير بأنها "مركز رئيسي لغسل الماشية المسروقة من بوركينا".
وتشمل هذه السلسلة من التهريب شبكة واسعة من الجهات الفاعلة، من رعاة صغار إلى تجار كبار، مرورًا بسائقي الشاحنات، وبعض رجال الجمارك، والزعماء التقليديين، والأطباء البيطريين، والجزارين.
وتُباع هذه الحيوانات في الأسواق غير الرسمية، أو حتى في الأسواق الإقليمية الكبرى إلى جانب الماشية "الشرعية"، وغالبًا ما تتم المعاملات نقدًا، وأحيانًا عبر تحويلات مالية.
أرباح مضاعفة
توفر هذه التجارة غير القانونية مصدرًا ماليًا كبيرًا، تقدر عائداته بمئات الملايين من الفرنكات الأفريقية (FCFA) سنويًا لكل من الإرهابيين في JNIM وميليشيات VDP. ويشتري التجار الماشية بأسعار زهيدة ويعيدون بيعها بهوامش ربح مضاعفة أو حتى ثلاثية.
وبحسب التقرير، فإن هؤلاء التجار ليسوا بالضرورة من بدأ هذا النشاط الإجرامي، لكنهم من يستفيدون منه أكثر من غيرهم، ما يمثل "تقاطع مصالح يقوّض جهود السلام".