السودان 2019.. عزل البشير ومحاكمته ينهي عقود انقلاب الإخوان
خبراء يؤكدون أن سقوط البشير بعد طول أمد حكمه يوضح مدى رفض الشعب السوداني لحكومات الانقلابات وأنظمة الإخوان الإرهابية.
قبيل أن يطل عام 2019 كان الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير، يتحسس كرسيه الذي بدأ يهتز تحته بسبب موجة احتجاجات شعبية بدأت بسبب نقص الوقود والخبز قبل أن تتحول سريعا إلى مطالب سياسية سقفها إسقاط النظام برمته.
ولم يستمر الوضع كثيرا حتى سقط حكم البشير الذي امتد لـ30 عاما، وشاهد السودانيون الرئيس المعزول يجلس داخل قفص الاتهام بالمحكمة التي تستجوبه ثم توجه له التهم.
واعتبر خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" أن سقوط البشير بعد طول أمد حكمه يوضح مدى رفض الشعب السوداني لحكومات الانقلابات العسكرية وأنظمة الإخوان الإرهابية.
وبدأت تلك الاحتجاجات التي اندلعت في مدينة عطبرة، شمالي البلاد، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 في التمدد بين المدن السودانية المختلفة قبل أن تلتقط العاصمة الخرطوم القفاز لتشتعل المظاهرات يوم 30 من ذات الشهر حول محيط القصر الرئاسي استجابة لأولى دعوات "تجمع المهنيين السودانيين" الذي تسلم مهمة تنظيم وتوجيه الاحتجاجات.
ولم يتردد نظام البشير في مواجهة الاحتجاجات بالعنف المفرط حيث أطلق يد قواته الأمنية وكتائبه المدنية الملثمة للتصدي للمحتجين بالرصاص الحي والغاز المدمع فضلاً عن الضرب بالهراوات والعصي والاعتقال.
وسقط جراء العنف المفرط الذي واجه به نظام البشير المحتجين مئات الضحايا بين قتلى وجرحى، ولكن كانت الاحتجاجات تتوسع يوما عقب آخر بعد أصبحت تصدر الدعوات لها من تجمع المهنيين وفق جداول بمواقيت زمنية محددة.
وأطلق الرئيس المعزول عمر البشير تصريحات خلال خطاب أمام قادة الشرطة اعتبرها الكثيرون تحريضا على قتل المتظاهرين، حينما "اعتبر القتل حماية للآخرين من الفوضى والاضطراب".
وقال: "القصاص هو شنو يا إخوانا؟ هو القتل والإعدام.. ربنا قال فيه حياة؛ لأن فيه ردع للآخرين عشان نحافظ على الأمن".
وكان 6 أبريل/نيسان الماضي يوما حاسما في مسيرة الاحتجاجات السودانية حيث وصل آلاف المتظاهرين إلى محيط القيادة العامة للقوات المسلحة وبدأوا اعتصاما مفتوحا إلى حين تنحي البشير وتنفيذ المطالب المنصوص على عليها في ميثاق "إعلان الحرية والتغيير".
وبعد 5 أيام من بدء الاعتصام استيقظ السودانيين في 11 أبريل/نيسان على موسيقى عسكرية تصدر من الإذاعة والتلفزيون القوميتين إيذانا بانحياز الجيش لمطالب المحتجين، حيث قرر عزل البشير عن السلطة والتحفظ عليه بعد اعتقاله في مكان آمن.
وبعد أكثر من شهرين، شاهد السودانيون لأول مرة البشير في قبضة رجال شرطة السجون حينما تم نقله من سجن كوبر القومي إلى نيابة مكافحة الفساد للتحقيق معه حول أموال ضخمة من مختلف العملات تم العثور عليها بمقر إقامته.
ولاحقا اعتاد الجميع على مشاهدة البشير داخل قفص الاتهام بالمحكمة يواجه اتهامات بحيازة أموال أجنبية بطريقة غير مشروعة، حيث ضبطت الشرطة في 16 أبريل/نيسان 2019 داخل منزل البشير مبالغ 6.9 مليون يورو و351 ألف دولار و5.7 مليون جنيه سوداني.
ويقول المحلل السياسي علي الدالي لـ"العين الإخبارية" إن "البشير سقط بطريقة مذلة بعد 30 سنة من السيطرة المطلقة على الحكم كان يتحدى خلالها معارضيه بأنه اقتلع الحكم عبر السلاح ومن أراده عليه أن يواجهه بالسلاح".
وأضاف أن "البشير كان يتوهم بأن لديه قواعد ومعجبين ونجومية، لكن كل ذلك كان مصنوعا بواسطة المحيطين به الذين استفادوا من موضوع المحكمة الجنائية حين استغلوا عاطفة السودانيين الرافضة للتدخل الأجنبي في الالتفاف حول البشير بعد تلميعه".
وتابع: "لكن الشعب السوداني بدأ يكتشف بأن كل ما تم سوقه له بالكذب حتى أتى عام 2019 الذي شهد نهاية السقوط، بعد أن سبقه سقوط الأقنعة التي كان يتوارى خلفها البشير".
واعتبر الدالي أن "سقوط البشير بهذه الطريقة لديه تأثير كبير على مستقبل السودان السياسي، كما أنه كان سببا أساسيا في جعل العسكريين يضعون العربة أمام الحصان خلال شراكتهم مع قادة انقلاب 1989".
ويواجه البشير اليوم عددا من الدعاوى الجنائية بخلاف حيازة الأموال من النقد الأجنبي، على رأسها تهمة الانقلاب على النظام الدستوري في عام ١٩٨٩، بخلاف بلاغات قتل المتظاهرين وجرائم الحرب في دارفور.
كما جرى استدعاء البشير إلى النيابة العامة بالخرطوم وجرى التحقيق معه حول جريمة انقلاب ١٩٨٩ التي تقدم ببلاغها عدد من المحامين السودانيين، ضد كل قادة انقلاب 30 يونيو/حزيران.
وأضاف الدالي "ذلك ليس كل شيء، فالبشير اليوم يواجه بالعديد من الدعاوى أخطرها الانقلاب وتقويض النظام الدستوري في عام 1989، وهذه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد مع مصادرة الأموال".
وأوضح أن "سقوط البشير يحمل رسائل عدة أهمها رسالة إلى القوات المسلحة بأن عهد الانقلابات العسكرية قد ولى، ورسالة للتنظيمات السياسية بأن تبتعد عن اختراق الجيش".
ودعا القوى السياسية إلى "السعي للمحافظة على ثورة الشعب"، مشيرا إلى أن "الوضع الآن يتقدم فيه الشارع على القوى السياسية من خلال تحريك الأحداث".
وتابع: "هي رسالة كبيرة لكل شخص يحاول أن يحكم بعقلية شمولية أو ينفرد بالقرار أو يحاول أن ينقلب على السلطة المشروعة، فالقرار عند الشعب السوداني، ولن يأتي أي ضابط مغامر ليكرر تجربة البشير".
المحلل السياسي، بشير أربجي، قال لـ"العين الإخبارية" إن "الثورة السودانية وسقوط البشير توضح مدى قوة شكيمة الشعب ورفضه للدكتاتوريات التي تصادر حريته، التي مهما اشتدت قبضتها فإن إرادة الشعوب ستظل هي الأقوى".
وأشار إلى أن "البشير وحزبه الحاكم يومها انفرد بالسلطة وأفسد واستبعد السودانيين كما استبعد الكوادر المؤهلة من الخدمة المدنية، ما أدى لانهيار الدولة اقتصاديا مع ارتفاع الفاتورة الأمنية، ما قاد ذلك إلى اندلاع الثورة الشعبية التي أسقطته بعد ٣٠ عاما من الحكم".
وأضاف: "بعد انفجار ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 لاقتلاع النظام كان يمكن للبشير أن ينتبه لذلك ويخرج بأقل الخسائر، لكن شأنه شأن كل الطغاة المستبدين، لم يستبين الأمر إلا بعد السقوط".
وأوضح أربجي أن "البشير طوال فترة حكمه كان يلعب على خلافات المعارضة فيما بينها ويطيل أمد سلطته، لكن المعارضة توحدت أخيراً حول إسقاط النظام في لحظة كان فيها كل الشعب مهيأ لذات الأمر بعد أن انكسر عنده حاجز الخوف".
ويقود السودان حاليا مجلسا سياديا وحكومة انتقالية قامت بحل جميع النقابات والاتحادات المهنية التي كان يسيطر عليها نظام الإخوان الإرهابي طوال 3 عقود ماضية، وتجميد وحجز حساباتها وأرصدتها بالمصارف وإغلاقها بقوات الشرطة بعد طرد فلول الحركة الإسلامية السياسية المعزولة، ما حظي بترحيب واسع من القطاعات المهنية والعمالية في البلاد.
aXA6IDEzLjU5LjExMS4xODMg جزيرة ام اند امز