«انقلاب» أم «انشقاق».. ماذا يحدث في صفوف الجيش السوداني؟
مع الشهر العاشر من الحرب في السودان، تزداد حدة المواجهات العسكرية على الأرض، ولكن الجديد هو تسريبات عن وجود محاولة انقلابية داخل الجيش، سرعان ما تم نفيها.
التسريبات جاءت في صحيفة "السوداني" التي ذكرت أن استخبارات الجيش في منطقة "وادي سيدنا" العسكرية اعتقلت ضباطا فاعلين بقيادة "متحركات أم درمان" بتهمة الإعداد لانقلاب، وأن حملة اعتقالات طالت ضباطاً في إدارة العمليات في هذه المدينة.
اجتماع حول مساعدات السودان.. ضوء أخضر من الجيش و«الدعم السريع»
وبحسب المصدر ذاته فقد تم وضع الضباط المعتقلين في معسكر سركاب، ومن بينهم قائد "المتحركات" بأم درمان ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول عن الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة.
وأشارت الصحيفة إلى وجود استعدادات لاعتقال ضابط كبير برتبة عميد ركن في مدينة أم درمان، لزعم الإعداد لانقلاب، وأن اعتقالات الضباط تزامنت مع زيارة عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر للمنطقة.
إحباط وتشويش
الجيش من جانبه لم يصدر أي بيان رسمي عن مدى صحة هذه التسريبات والتي انتشرت بشكل واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بيد أن ردا جاء على لسان مصدر عسكري رسمي سوداني نفى فيه حدوث محاولة انقلاب في السودان، إلا أنه أكد "توقيف ضباط في إطار إجراءات أمنية احترازية".
واعتبرت مصادر عسكرية في تصريحات صحفية أن الهدف من تلك الشائعات هو خلق الإحباط والتشويش على عمليات التقدم والانفتاح التي تمت في مدينة أم درمان، أخيراً من جانب القوات المسلحة.
خلف القيادة
وبالتزامن مع تلك التسريبات قال عضو مجلس السيادة، مساعد قائد الجيش السوداني ياسر عبدالرحمن العطا لوفد الإسناد الشعبي الذي التقاه أمس (الثلاثاء) إن "القوات النظامية تعمل خلف القيادة بقلب رجل واحد وفق تراتبية منظمة".
وأضاف العطا -الذي لم يتطرق بشكل مباشر لتسريبات المحاولة، ولكن فهم ضمنيا أنه رد عليها- " نطمئن الجميع أن منطقتي أم درمان ووادي سيدنا في أعلى مستويات التنسيق وتعملان بقوة لتحقيق النصر وليس هناك أي حديث بخلاف الانتصار".
واعتبر أن رؤية ومطلوبات الانتصار كلها مكتملة في أم درمان وبحري وكذلك ولاية الجزيرة، وقال: "رسالتنا للشعب السوداني أن الدولة والقوات المسلحة ترتبان لما بعد اكتمال الانتصار والانتقال إلى أم داقوق".
وأضاف أن "القوات المسلحة كلها خلف القائد، وهي والقائد أمام الشعب، وأن الجيش السوداني هو كيان قوي سيحقق ويلبي أشواق ورغبات الشعب".
نفي خجول
من جانبه، وكشف رئيس تحرير صحيفة "السوداني" عطاف محمد خطار عن أن الضباط اعتقلوا منذ نحو يومين، ومن بينهم قائد "المتحرك الاحتياطي" في معسكر سركاب، ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات، ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة.
وقال عطاف لـ"العين الإخبارية" في رده على نفي تسريباته، إن "النفي جاء على لسان مصادر، وأفضل منه كان السكوت".
وأضاف أن "النفي خرج خجولا، ولم ينف اعتقال 4 من الضباط الفاعلين في العمليات العسكرية، وهؤلاء الضباط ليسوا مع قوات الدعم السريع".
وتابع قائلا إنه "إذا كان المبرر بأنه تم القبض على هؤلاء الضباط لأنهم خالفوا الأوامر وهاجموا قوات الدعم السريع خلفا للتعليمات فهذا وسام على صدورهم".
عطاف اتهم الجيش بأن به جزءا لا يريد التخلص من الدعم السريع، وقال إن "البرهان نفسه على رأس هذه المجموعة"، مبررا ذلك بوجود 12 حامية من الجيش تم تسليمها للدعم السريع بعد الانسحاب منها.
وقال "إن البرهان يعلم جيدا أنه ليس له أي وجود بعد الحرب، ولذلك يريد أن تستمر الأوضاع بما هي عليه".
ليس انقلابا
من جانبه أكد عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية أن "ما حدث ليس محاولة انقلابية".
وقال ميرغني لـ "العين الإخبارية" إن "أقصى ما يمكن أن توصف به هذه العملية هو اختلاف في التقديرات العسكرية من الضباط الميدانيين والقيادة العليا للجيش".
وأضاف أن "هذا الأمر غير قانوني ويؤدي إلى اعتقال الذين خرجوا عن النسق العسكري"، مؤكدا أن كل ما تردد حول التسريبات بأنهم قيادات تناصر قوات الدعم السريع مجرد تأويلات بعيدة وليس لها علاقة بالواقع.
وأوضح أن هناك تعليمات داخل الجيش تؤخذ بصورة عامة، مع ترك مساحة للتقدير الذاتي للضباط الميدانيين، وأقصى ما قاموا به هؤلاء الضباط هو مخالفة للمسموح به ميدانيا، وليس مخالفة للتعليمات بالشكل الدقيق".
وأشار إلى أن هذا ما حدث في ود مدني، ولم يحاسب عليه قائد المنطقة، الذي اعتمد على تقديره الشخصي في الانسحاب، وفي النهاية يتم الوقف دون عقاب.
ضباط إسلاميون
في الأثناء راجت أحاديث عبر مصادر مختلفة عن أن المجموعة التي حاولت الانقلاب على المجلس العسكري أغلبها من الضباط الإسلاميين، وأن هناك ضباطاً موالين للنظام السابق حاولوا الانقلاب على المجلس العسكري.
وبحسب نفس المصادر أن عدداً من الضباط اعتقلوا لقيامهم بحملة عسكرية ضد قوات الدعم السريع في أم درمان من دون التنسيق مع القيادة العسكرية، مشيرة إلى أن هؤلاء الضباط مشهود لهم بالكفاءة.
كما تردد أن الحركة الإسلامية تعمل على التخلص من بعض القيادات المنحدرة من إقليم دارفور داخل الجيش والمشكوك في ولائها السياسي، وقدرتها على تنفيذ أجندة التنظيم وفلول النظام السابق الرامية لإطالة أمد الحرب من خلال تعطيل مبادرات وقف الحرب والمفاوضات مع قوات الدعم السريع.
انشقاق بالجيش
من جانبه، اعتبر فائز السليك المحلل السياسي السوداني أن عدم خروج بيان من الجيش حتى الآن حول هذه التسريبات يمثل خللا داخل الجيش.
وقال السليك لـ"العين الإخبارية" إن الناطق باسم الجيش في الفترة الأخيرة لم يتحدث عما يدور خصوصا في القضايا الكبيرة، ويجب أن يتحدث الجيش بشفافية ويفسر ماذا حدث.
وأضاف أن ما حدث لا يخرج عن احتمالين، إما أن الضباط الذين تم القبض عليهم يتبعون لتيار استمرار الحرب داخل الجيش، وأن هؤلاء لديهم رأي في البرهان والقيادة، ويرون أنهم ليسوا على قدر المرحلة، وأن هناك تباطؤا في حسم الدعم السريع، ويتهمون البرهان بالخيانة، وأنه غير مهتم بما يدور في مسرح العمليات، وأن هؤلاء يقودهم التيار الإسلامي داخل الجيش.
وأوضح أن هناك جزءا آخر داخل الجيش يرى أن الحرب لا فائدة منها، ولم يرضوا عن ذهاب شمس الدين الكباشي نائب القائد العام للجيش إلى البحرين للقاء عبدالرحيم دقلو نائب رئيس الدعم السريع بشكل سري.
وقال "إن هناك شرخا داخل الجيش، وأنه مؤشر للتمهيد لصراع قادم بينهما، وأن انشقاق الجيش في غاية الخطورة، وسيلقي بظلال سلبية على الحرب".
وأضاف أن الجيش به صراعات قبلية، وأن مسألة الحشد أصبحت موجودة في كل السودان، وأن هناك محاكمات لجنود لأنهم ينحدرون من قبائل تتبع الدعم السريع، وأن الاستنفار يقوم على الإثنية، ويمكن أن يزيد ذلك من الشروخ الموجودة داخل الجيش.
وخلص السليك في نهاية حديثه إلى التأكيد أن ما حدث ليس انقلابا، وقال إن الانقلاب لا يتم بهذه الطريقة، فقادة الجيش في بورتسودان، معتبرا أن ما حدث هو مجرد انشاق وليس انقلابا.