تعبئة الجيش السوداني.. رياح تشكيك ودلالات سلبية
في خطوة تعكس تصعيدا كبيرا وتثير مخاوف، قرر الجيش السوداني استدعاء كاملا لكل الضباط وضباط الصف والجنود المتقاعدين.
ووفقا لبيان صادر عن وزير الدفاع المكلف، الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين، فإن الخطوة تأتي "دعما للجهد العسكري الكبير الذي تبذله القوات المسلحة في سبيل إعادة الأمن والاستقرار".
- التعبئة تقطع الهدنة "المخترقة".. هل يلوح شبح الحرب الأهلية بالسودان؟
- هدنة السودان.. تعقيب سعودي أمريكي حول "الاشتباكات المتقطعة"
وحسب القرار، تقرر استدعاء كامل لكل ضباط وضباط صف وجنود متقاعدي القوات المسلحة لدعم الجهود العسكرية؛ وهم الذين لا تزيد أعمارهم على الـ65 ويمتلكون اللياقة الطبية والبدنية والقدرة على حمل واستخدام السلاح.
على أن يقوم هؤلاء المستهدفون بالاستدعاء، بتسليم أنفسهم لأقرب وحدة عسكرية اعتبارا من يوم الإثنين الموافق 29 مايو/أيار 2023.
أين وزير الدفاع؟
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأسباط، إن "الإسلاميين المتحكمين في الجيش يريدون أن تكون كوادرهم من الدفاع الشعبي والأمن الشعبي وكتائب الظل، موجودة عبر إسناد رسمي".
وهو ما لم يتسن لـ"العين الإخبارية" الحصول على تعليق رسمي من قبل وزارة الدفاع التي لم تذكر في بيانها أيا من هذه الأذرع.
ولفت إلى صدور بيان من أسرة وزير الدفاع يتضررون فيه من هذا القرار بالإضافة إلى اختفاء وزير الدفاع منذ اندلاع الاشتباكات في 15 أبريل/نيسان الماضي.
وفي تصريحات سابقة، حذر قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، مما اعتبرها المزايدة على الجيش".
وأكد في كلمة له، في فبراير/ شباط الماضي، أن "الجيش ليس محل مزايدة وليس محلا لأن يوصف بأنه مع فلان وضد فلان".
ونفى البرهان وجود "الكيزان" (أنصار النظام السابق من الإخوان) في الجيش، معتبرا ذلك ادعاء كاذبا.
وتداول نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي بيانا صادرا عن أسرة وزير الدفاع ذكرت فيه: "أكدت أسرة الفريق ركن ياسين إبراهيم ياسين عدم صحة البيان المتداول بشأن إعلانه التعبئة العامة للشعب".
وقالت الأسرة إن "الفريق ياسين إبراهيم ومنذ صبيحة الأحداث ظل بعيدا تماما عن الأحداث الجارية الآن، ولا صلة له بأي دعوات للتحشيد لطرف ضد الآخر".
وطالبت الأسرة في توضيحها الصحفي، قيادات القوات المسلحة بعدم إقحام ابنها في صراعات ليست بين أشخاص وإنما بين مؤسستين.
وأشارت إلى أن أي دعوات للتعبئة العامة ينبغي أن تصدر من رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان، وليس من قبل أشخاص.
ولم يتسن لـ"العين الإخبارية" التحقق من صحة البيان الصادر عن أسرته.
وأوضح الأسباط في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "هذين المؤشرين يشيران بشكل أو بآخر إلى أن الوزير شخصيا لا علاقة له بهذا القرار وإنما اتخذت كوادر الإسلاميين القرار".
وتابع: "وهناك زاوية أخرى هي أن الجيش أصبح على قناعة أنه من الصعوبة بمكان إلحاق هزيمة ساحقة بقوات الدعم السريع، وبالتالي يريد أن يوفر قوات مشاة ومقاتلة لمواجهة الدعم السريع في المرحلة المقبلة".
وأضاف: "لا أعتقد أن دعوة حمل السلاح بالنسبة للمعاشيين وبالنسبة للقادة المتقاعدين، يمكن أن تؤدي إلى أي تغيير جذري في المعركة، خاصة أنهم لم يتلقوا تدريبات منذ سنوات طويلة".
الأسباط قال أيضا، إن "الجيش تاريخيا خلال الأربعين عاما الماضية كان يعتمد على قوات شبه عسكرية مساعدة، وربما لجأ الجيش إلى هذا التكتيك الآن لمواجهة الخسائر التي ظل يتعرض لها على أرض المعركة ونتيجة لعدم حسمه المعركة مع الدعم السريع، لكن كما ذكرت لا أعتقد أن هذا القرار سيؤدي إلى حسم المعركة في الميدان".
تعبئة عامة
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أمير بابكر، إن "البيان المنسوب لوزير الدفاع السوداني بدعوته لمتقاعدي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود، تدخل ضمن التعبئة العامة لمواجهة قوات الدعم السريع".
وتابع أن البيان "حدد المعاشيين تجاوزا لدعوات بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة بتسليح حتى المواطنين مما يقدح في قدرات القوات المسلحة ومواجهتها الدائرة منذ أكثر من شهر".
ومضى في حديثه لـ"العين الإخبارية"، قائلا: "الدعوة الحالية تؤشر إلى احتمالين أولهما الاتجاه لتوسيع نطاق المواجهات من جانب القوات المسلحة، والاحتمال الثاني يشير إلى عدم رغبة القوات الموجودة في الميدان في استمرار القتال".
ومضى قائلا: "نرى أن مصلحة القوات المسلحة في الجنوح للتفاوض وحل الأزمة سلميا، وهو ما سيهزم الدعاوى التي تطالب بحسم التمرد عسكريا".
وأضاف: "يظل في تقديري أن الاتجاه السليم لمعالجة هذه الأزمة هو الوقف الفوري لإطلاق النار والبدء في معالجة الأزمة بشكل أكثر انفتاحا على ترسيخ مبدأ السلام بين أبناء الوطن الواحد وأكثر جدية في وضع اللبنات الأساسية لدولة مدنية قائمة على مؤسسات ودستور يحدد مهامها تجاه خدمة الوطن والمواطن".
وتابع: "المهم هو الخروج الكامل للعسكريين من العملية السياسية في خاتمة المطاف، وإبعاد السلاح عن معالجة الأزمات الوطنية واتخاذ الحوار سبيلا لذلك".
حرب أهلية؟
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي، محمد المختار، "في اعتقادي دعوة التعبئة خطيرة جدا وتُقرأ بعدة أوجه خاصة بعد دخول الاشتباكات شهرها الثاني وتصريحات قادة الجيش بحسم المعركة خلال أسبوع أو أسبوعين، وفي ظل واقع مختلف لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر فيه على المناطق الحيوية في العاصمة كما صرح بذلك قائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان".
وتابع المختار في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "لذلك فإن هذه الدعوة إن لم تكن تعبر عن إخفاق ضمني، فإنها بلا شك تعني عدم قدرة القوات المسلحة على تحقيق أي تقدم على الأرض أو حتى الحفاظ على مناطق سيطرتها".
وأضاف: "الأمر الثاني أن هذه الدعوة ترسل رسائل سلبية في ظل سريان الهدنة والمجهودات الدولية والإقليمية لاحتواء الأزمة من خلال المبادرة السعودية الأمريكية ومساعي الوسطاء في مدينة جدة".
ومضى قائلا إن "هذه التعبئة بهذه الطريقة، تقوض الهدنة بشكل أو آخر وتفقدها معناها ومسعاها، الأمر الذي يعزز الاتهامات التي ظلت تسوقها قوات الدعم السريع بتعدد مراكز القرار وضلوع قيادات التنظيم الإخواني التابعين للرئيس السوداني المعزول عمر البشير في إشعال وقيادة مراكز السيطرة والتحكم".
المحلل السوداني قال أيضا، "الأخطر من ذلك هو أن هذه الدعوة تخرج الحرب من كونها بين قوتين متقاتلتين إلى نذر حرب أهلية، وقد سبق صدور بيان وزير الدفاع دعوات لأنصار النظام البائد للمدنيين بالتسلح والانخراط في القتال".
ويشهد السودان منذ 15 أبريل/نيسان اشتباكات بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" إثر خلافات بينهما، ما دفع جهات إقليمية ودولية للدخول على خط المفاوضات سعياً للتوصل لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار.
aXA6IDMuMTUuMTcuNjAg جزيرة ام اند امز