السودان بين روسيا وأمريكا.. صراع البحث عن موضع قدم
تتبارى واشنطن وموسكو في سباق محموم لإيجاد موطئ قدم لهما في ساحل البحر الأحمر، طمعا في تعزيز نفوذهما بتلك المنطقة الاستراتيجية.
وعلى ضفاف ميناء بورتسودان شرقي السودان، تتناوب الدولتان بسفنهما الحربية، في محاولة من كلتيهما للتلميح بالسيطرة وإظهار النفوذ.
- ميناء بورتسودان.. أطماع دولية تكبد الخرطوم خسائر بالمليارات
- السودان يوقع مذكرة تفاهم مع أمريكا لتصفية ديونه
ولم تفصل بين الفرقاطة الروسية الأدميرال جريجوروفيتش، ورسو المدمرة الأمريكية ونستون تشرشل في ذات الميناء، سوى بضع ساعات، في مشهد يحمل في طياته العديد من الدلالات، ويسلط الضوء على جولات التنافس المماثلة التي تجمع الطرفين منذ زمن بعيد.
واعتبر مراقبون أن واشنطن تحاول قطع الطريق على موسكو هذه المرة، مستخلصة دروسا مما حدث في سوريا وليبيا، حيث بسط "الدب الروسي" نفوذه وبات يتحكم في مجريات الأحداث في هذين البلدين.
وتعد هذه هي المرة الثانية خلال أسبوع تصل سفينة حربية أمريكية إلى ساحل البحر الأحمر، بعد البارجة "كارسون سيتي" التابعة لقيادة النقل البحري الأمريكي، التي رست في مياه البحر الأحمر في 24 فبراير/شباط الماضي.
واعتبر المراقبون أن "هذه الخطوة تعكس تطور العلاقات السودانية الأمريكية بعد عقود من الجمود".
وقالت السفارة الأمريكية بالخرطوم، في بيان، :"إن القائم بأعمال السفارة وصل إلى ولاية البحر الأحمر للترحيب بسفينة البحرية الأمريكية".
وأشارت إلى أن "زيارة السفينة العسكرية تسلط الضوء على دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي في السودان، وتعزيز الشراكة معه".
وفي يناير/كانون الثاني، قام نائب القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) للتواصل المدني العسكري أندرو يونج، ومدير المخابرات الأدميرال هايدي بيرج، بزيارة للخرطوم، في مسعى لتوسيع نطاق الشراكة بين السودان والولايات المتحدة.
ويرى محللون أن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن شهدت تحسنا بعد إزاحة الرئيس عمر البشير عن السلطة في أبريل/نيسان 2019، وأنهما تسعيان إلى إقامة شراكة اقتصادية.
في المقابل، فإن إرسال الفرقاطة الروسية إلى السودان يمثل واقعة هي الأولى من هذا القبيل في تاريخ روسيا الحديث.
وبحسب المكتب الصحفي لأسطول البحر الأسود الروسي، فإن الفرقاطة ستقوم خلال زيارتها بالتزود بالوقود، كما سيحظى أفراد طاقمها بقسط من الراحة بعد المشاركة في تدريبات بحرية متعددة الجنسيات شملت 45 دولة وأجريت في بحر العرب يومي 15 و16 فبراير/شباط.
وتدربت أطقم سفن الدول المشاركة على التواصل فيما بينها عند صد هجمات من أهداف صغيرة عالية السرعة، بالإضافة إلى تدريبات على مكافحة القرصنة.
ويرى مراقبون أن السودان، الذي يشهد مرحلة انتقالية، يحاول تحقيق أقصى استفادة من صراع النفوذ الأمريكي الروسي.
وقد يكون شطب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسميا، في كانون أول/ديسمبر الماضي، من لائحة الدول الراعية للإرهاب، أولى ثمار هذا التنافس.
وفتح الأمر الباب أمام إزالة القيود على أي تعاون عسكري أمريكي مع السودان، في مرحلة جديدة من التنسيق بين البلدين، تشهد تعاونا استخباراتيا في مجال مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في القرن الأفريقي، وربما تصل إلى حد السماح لقوات أمريكية باستخدام تسهيلات عسكرية في السودان.
كما أبدت الولايات المتحدة، عبر سفارتها في الخرطوم مطلع الأسبوع الجاري، رغبة في تعاون عسكري وثيق مع السودان، موضحة أن "الملحق العسكري بها جاكوب داي، يعمل مع الجيش السوداني لتعزيز العلاقات الثنائية".
ويأتي تسارع التحرك الأمريكي بعد نحو شهر من الإعلان عن اعتزام روسيا تأسيس مركز لوجيستي تابع لبحريتها في بورتسودان، قد يصبح نواة لقاعدة عسكرية.
وكشفت التفاصيل عن أن هذا المركز يستوعب 300 جندي ومدني و4 سفن من بينها سفن تعمل بالطاقة النووية، وفقا لاتفاق عقد منذ 3 سنوات، مدته 25 عاما، قابل للتجديد لمدة 10 سنوات أخرى.
وفي مقابل هذا الاتفاق تحصل الحكومة السودانية على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا.
ويقول محللون إن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص موسكو على تعزير نفوذها في القارة الأفريقية التي تزخر بالثروات الطبيعية وتعد سوقا ضخمة للسلاح الروسي.
وأشارت وكالة أنباء تاس الروسية الحكومية إلى أهمية المركز اللوجيستي المزمع إقامته في تسهيل عمليات الأسطول البحري الروسي في المحيط الهندي.
وأوضحت أنه "سيمكن البحرية الروسية من تبديل طواقم القطع البحرية الروسية المنتشرة في المحيط عبر نقلهم جوا إلى السودان"، فضلا عن "استطاعة روسيا نشر أنظمة دفاع جوي في المنشأة لحمايتها ومنع تحليق الطيران في أجواء القاعدة".
لكن السودان نفى وجود اتفاق كامل مع موسكو، مؤكدا استمرار التعاون العسكري معها.
وقال رئيس هيئة أركان الجيش السوداني الفريق الركن محمد عثمان الحسين إن "السودان لن يفرط في سيادته"، مضيفا أن "الاتفاق مع روسيا حول القاعدة يخضع للدراسة".