لم يأتِ شعار الثورة السودانية "حرية سلام وعدالة" من فراغ، بل جاء لإرساء قواعد الحرية وصياغة القوانين التي تحفظها وتحفظ كرامة الإنسان.
لم يأتِ شعار الثورة السودانية "حرية سلام وعدالة" من فراغ، بل جاء لإرساء قواعد الحرية وصياغة القوانين التي تحفظها وتحفظ كرامة الإنسان في بلد عاش الحرمان لسنوات، أما السلام فهو غاية وحق أصيل لشعب عاش في حروب دامية، اكتوى بنيرانها وقدم شهداء كثيرين فيها.
إن مجلسي السيادة والوزراء الانتقالي يمثلان فترة انتقالية تأسيسية لسودان المستقبل؛ لذا يجب الإسراع في تشكيل مجلس تشريعي يدير هذه المرحلة ويشرع في صياغة الدستور والتشريعات
بلد دُمِّر لقرون وخلّف الفرقة والدمار وخلقة النعرات والتفرقة القبلية والجهوية، وهضمت حقوق المستضعفين فيه.
أما العدالة فهي ضرورة تحقيق العدالة الإنسانية وتثبيت حكم القانون وهو حق واجب النفاذ ومطلب شرعي لكل مواطن حر، ولتنفيذ أحكام القانون في كل من امتهن الفساد وقتل الناس بغير حق وسرق ونهب باسم السلطة والوطن.
لم يأتِ هذا الشعار كردة فعل لما فعله "الإخوان" في السودان طوال 30 عاما ومحاولتهم فرض الدين بالقوة طوال فترة حكمهم، بل جاء لحفظ حقوق الشعب السوداني الذي يستحق العيش بكرامة ورفعة، جاء الشعار لأن الشعب السوداني لم يقبل بفرض السلطة بالقوة والتسلط والقتل باسم الدين!! جاء لضمان العيش بحرية لكل الأديان في بلد يسع الجميع وليس لفرض دين أو عبادة على أي شخص! بل جاء لترسيخ التسامح والحب والوئام بين كل أبناء السودان.
تحقيق سلام شامل في السودان غير منقوص يجمع في طياته كل الأطياف المتناحرة والمتحاربة لسنوات عديدة، ويوحّد كل أبناء السودان بمختلف انتماءاتهم وديانتهم ومعتقداتهم هو الغاية الأصلية التي يجب أن يعمل الجميع على تحقيقها.
ولا بد أن يعي الجميع أن أغلب الأقاليم التي تم تهميشها وحرمانها من حقوقها في عهد "الإنقاذ البائد" بل قبله بسنوات عديدة منذ الاستقلال هي أقاليم عانت من التهميش، وعدم أخذ حقوقها من الثروة السودانية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وكله بسبب مركزية السلطة في العاصمة.
هناك أسباب واضحة للعيان أشعلت نيران الحروب في هذه الأقاليم، ومنها ما صنعته الحكومات المتعاقبة التي لم تواجه هذه الأسباب ولم تحاول معالجتها والبحث عن حلول لها بل أسهمت في تطويرها وجعلها حروبا مستمرة اقتلعت الأخضر واليابس، وتكونت حركات مسلحة معارضة في هذه المناطق نتيجة لأنظمة الحكم التي لم تتعامل معها بجدية ولم تمنح سكانها حقوقهم من تعمير وتطوير وتنمية.
لذا لا بد أن تفضي المفاوضات المنعقدة حاليا في "جوبا" عاصمة "جنوب السودان" إلى حلول مرضية لكل الأطراف وأن يعي المتحاورون أنهم لا يمثلون أنفسهم ولا يمثلون حزبا ولا حركة ولا جماعة بل يمثلون كل السودان، وألا يخلطوا الأوراق لتخلق "ربيعا دمويا" في السودان، خصوصا أن هذه الأقاليم بها صرعات وحروب منذ سنوات، وعاشت ويلات الحروب والدمار لفترة طويلة، والمناطق المهمشة هي أقاليم متنوعة الديانات واللغات وبها قبائل مختلفة ولديها تقاليد وعادات متداخلة تمتزج مع بعضها لتشكل نسيجها المجتمعي.
يطلق على دولة السودان منذ الاستقلال "جمهورية السودان الديمقراطية"؛ ما يعني أن "السلطة للشعب" وليست للحاكم، لذا يجب وضع أسس الديمقراطية أولا قبل الخوض في كيف يحكم السودان؟ أو من يحكمه؟ وحسب ما جاء في الوثيقة الدستورية التي حددت أن المجلس التشريعي والوزاري هما من يتوليان عملية صياغة الدستور والتشريعات التي تضمن تحقيق الحرية والسلام والعدالة في الدولة، وعند تشكيله من أبناء الوطن الذين يمثلون ولاياتهم وأقاليمهم وأحزابهم، سوف يعمل على إلغاء دساتير وتشريعات "الإخوان" التي وضعوها لحمايتهم وحفظ حقوقهم وإعطائهم الحق في العبث بممتلكات السودان وانتهاك حرماته، وتمكينهم من السلطة لأطول فترة ممكنة.
على من يتولى الحكم في السودان أن يفكر أبعد من "الخرطوم" ويفتح آفاقه لاحتواء كل بقاع السودان في الحكم والسلطة وتوزيع الثروات وتحقق التنمية والنماء في كل ربوع السودان بالتساوي، كي لا نعود إلى دائرة التهميش والحروب مرة أخرى، ويتمركز كل شيء في "الخرطوم" وتهمش الأقاليم والولايات، كما حدث في الماضي نتيجة لعدم وعي الحكومات السابقة وعدم دراستها ومراعاتها لخصوصية الوضع وديموغرافية السودان.
لذا يجب التركيز على بناء الدولة السودانية المدنية أولا قبل الخوض في هذه الأمور، وأن نتقبل الاختلافات في الدين والأعراف والمعتقدات والعادات ويتقبل بعضنا بعضا للنهوض بالسودان، ونتقبل الكل رغم الاختلاف في المعتقدات والتوجهات والفكر؛ لضمان حرية المعتقدات والتصرفات وحرية التعبير، والحرية الدينية بما يكفله القانون والأعراف والمعتقدات حسب القانون، ويجب العمل على تعزيز الهوية الوطنية الشاملة للمواطن السوداني وغرس القيم الحميدة لديه لتقبل الآخر مهما اختلف معه في الرأي أو الدين.
إن مجلسي السيادة والوزراء الانتقالي يمثلان فترة انتقالية تأسيسية لسودان المستقبل؛ لذا يجب الإسراع في تشكيل مجلس تشريعي يدير هذه المرحلة ويشرع في صياغة الدستور والتشريعات وسن القوانين التي تحفظ الحقوق وتشمل كل السودان؛ لأن الإسراع في تشكيل "المجلس التشريعي" سوف يقتلع ويعزل الإخوان من كل مفاصل الدولة ويسهم في وضع التشريعات والقوانين على أرض الواقع وتصبح واجبة النفاذ.
يجب أن يكون السلام شاملا يحوي الجميع ويقوم على مبدأ المساواة وتحقيق الحرية ونبذ التفرقة القبلية والعرقية والدينية في وطن يسع الجميع وسودان موحد في كل أطرافه وأقاليمه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة