الشرق الأوسط لم يعد أبدا بحاجة إلى مقاومة من النوع الذي تمارسه إيران وأذرعها.
لا أعرف لماذا لا تعلن إيران بوصفها قائدة محور "المقاومة" بدء معركة تحرير القدس انتقاما لقائد فيلق القدس قاسم سليماني؟ إذا كان هذا الفيلق يحمل اسم المدينة، وتدّعي طهران وأذرعها في المنطقة أن كل الحروب التي تخوضها هي من أجل تحرير فلسطين، فهل هناك مناسبة أفضل من مقتل "استشهاد" سليماني لإعلان أم الحروب والتوجه إلى الأراضي المحتلة؟
لا يمتلك الإيرانيون وأذرعهم الجرأة للرد على المحتل الإسرائيلي للقدس الفلسطينية والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. هم يخشون إصابة أي عسكري إسرائيلي رغم أنهم يقصفون بنيران الاحتلال ليل نهار. يصطادهم الإسرائيليون كالعصافير في سوريا والعراق ولبنان، وعندما يتمخضون للرد عليهم يحرقون ناقلة جند فارغة.
حركة حماس تقول إن سليماني شهيد القدس، فهل شهيد القدس يثأر له باحتلال دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد أم بتحرير العاصمة الفلسطينية؟ ألم يدرك محور "المقاومة" بعد أن بوصلته الضائعة قد جرت على المنطقة كوارث وأهوالا قبل أن يهتدي إلى وجهته الحقيقية. جميع الطرق التي سلكها منذ سنوات طويلة، وقال إنها توصل إلى القدس حل على جنباتها الموت والدمار.
لم يكن الأمر ليحتاج إلى كل هذا العويل والصراخ لو كانت غاية سليماني ومحور "المقاومة" تحرير القدس فعلا. لطالما تفاخروا بأنهم مستعدون للمعركة الكبرى وواثقون من النصر والتحرير، لكن الحقيقة أنهم في تحرير الأراضي المحتلة هم مستعدون فقط للخطب والثرثرة. وفي هذا يتفوقون على الجميع، يخوضون أقوى المعارك ويسجلون أعظم الانتصارات على الإطلاق.
لو كان محور "المقاومة" قد أعلن ببضع كلمات فقط انطلاق معركة تحرير القدس انتقاما لسليماني، لكان الجنرال الإيراني قد تحول إلى شهيد أكثر من مليار مسلم، وكانت طهران قد وجدت عشرات ملايين المسلمين قد اصطفوا في طوابير للانضمام إلى جيشها وأذرعها. لكن لم تعد هناك مشكلة لهذا المحور مع إسرائيل، ومعركته الآن مع القوات الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط.
الحرب الجديدة لنظام الملالي وأذرعه لن تقوده أيضا إلى القدس. أي من الطرق التي سيسلكها لن توصله إلى الأراضي المحتلة. ربما تقوده إلى احتلال مناطق أخرى في المنطقة العربية. أو تتيح له تدمير مدن وبلدات وقرى يقطنها مسالمون لا يشكلون أي خطر على الإيرانيين. ولكنها حتما لن تنتهي بطهران ومليشياتها إلى تلك المدينة المقدسة التي يتاجر باسمها الخمينيون منذ عقود.
في الحقيقة تبدو جبهة محور "المقاومة" مع إسرائيل هي أكثر الجبهات استقرارا. وما يواجهه من رفض ونقمة من شعوب سوريا والعراق ولبنان واليمن، أشد خطرا عليه من الاحتلال الإسرائيلي الذي كلما قتل من "المقاومين" واحدا أو دمر لهم موقعا، قالوا: عوضنا على الله، ثم أكملوا ممانعتهم لتحرر شعوب 4 دول من الاستبداد والفساد والطائفية التي رسختها إيران في هذه الدول.
لا يمتلك الإيرانيون وأذرعهم الجرأة للرد على المحتل الإسرائيلي للقدس الفلسطينية والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية. هم يخشون إصابة أي عسكري إسرائيلي رغم أنهم يقصفون بنيران الاحتلال ليل نهار. يصطادهم الإسرائيليون كالعصافير في سوريا والعراق ولبنان، وعندما يتمخضون للرد عليهم يحرقون ناقلة جند فارغة أو يطلقون بضع صواريخ على الأراضي الزراعية الفارغة.
إذا كان قتل القوات الأمريكية لسليماني قد اقتضى إخراجها من المنطقة، فلماذا قتل عماد مغنية وسمير القنطار وأحمد ياسين وغيرهم كثيرين لم يقتضِ طرد إسرائيل من القدس والأراضي المحتلة؟ إما أن محور "المقاومة" لا يجرؤ على هذه الحرب، وإما أن "شهداء" المقاومة من غير الإيرانيين لا يستحقون، وإما أن المقاومة هي بحد ذاتها أكذوبة لإخفاء حروب إيران الحقيقية في المنطقة.
القوات الأمريكية هي عدوة نظام الملالي اليوم؛ ليس لأي سبب كان إلا لأن الولايات المتحدة قررت سحب الامتيازات التي منحتها لإيران خلال السنوات الماضية. تريد أن تسترد عواصم المنطقة التي فتحت أبوابها أمام القوات الإيرانية الرسمية وغير الرسمية منذ عام 2012. انتهى مفعول العرض الأمريكي وحان الوقت لتحرر العراق وسوريا ولبنان واليمن من الاحتلال الإيراني المباشر.
لا توجد دوافع أخلاقية للولايات المتحدة في تغير موقفها من إيران. ليست حريصة على شعوب المنطقة ولا يحلم دونالد ترامب باضطهاد وبؤس الشعوب التي تقطن في الدول الأربع. المسألة ببساطة أن المصالح الأمريكية والإيرانية قد اختلفت ولم تعد المنطقة تتسع لوجودهما إلى جوار بعضهما. كل من الطرفين بات يشكل تهديدا للآخر، ولا يبدو أن أيا منهما يريد التنازل للمصالحة.
وتماما مثل الولايات المتحدة، لا توجد لإيران دوافع أخلاقية في هيمنتها على المنطقة، ولا في سعيها لإخراج القوات الأمريكية من العالم العربي. هذه المعركة لا تخص أحدا في الشرق الأوسط وجواره سوى نظام الملالي ومليشياته. هم وحدهم من عقد صفقات الشيطان مع واشنطن منذ احتلال العراق في عام 2003، وهم وحدهم أيضا من يجب أن يدفع ثمن هذه الصفقات.
الحرب بين واشنطن وطهران لن تخدم أحدا في العالم العربي برمته إلا إن خسر الطرفان معا. الخراب الذي عاثه الأمريكيون في المنطقة لا يقل سوءا عن تخريب الإيرانيين.
وخلاصة القول هي أن الشرق الأوسط لم يعد أبدا بحاجة إلى مقاومة من النوع الذي تمارسه إيران وأذرعها، ولا يحتاج أيضا إلى حماية من النوع الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية في زمن دونالد ترامب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة