القدال.. السودان يبكي شاعر "الثورة" في تأبين استثنائي
دموعُ وحزن وزخم ثوري، مشاهد سيطرت على فعاليات تخليد ذكرى الشاعر السوداني الراحل محمد طه القدال، التي امتدت ليومين بالخرطوم.
والقدال، الذي يبكيه السودان في تأبين استثنائي، أحد أبرز الشعراء المرتبطين بالحركة الجماهيرية والنضالية في البلاد، وسخر قصائده لنقد الأنظمة الديكتاتورية وتحفيز الشعب على الكفاح لانتزاع حقوقه، ورحل عن العالم في يونيو/حزيران الماضي عن عمر يناهز 70 عاماً.
واكتست العاصمة الخرطوم بحلة ثورية زاهية بعد ما تداعى أهل الثقافة والفن والسياسية لتخليد ذكرى القدال وفاء لما قدمه لوطنه.
صدع شباب الثورة بقصائده، وشقت أصواتهم عنان السماء وهم يستعيدون مشاهد كربونية لما كانوا يفعلونه في ساحة اعتصام الخرطوم، الذي أسقط عرش المعزول عمر البشير، إذ كانت أشعار القدال تلهب حماسهم وشكلت وقوداً لاستمرار الانتفاضة رغم البطش.
وكان التغني بأشعار القدال حاضراً عبر الفنانين، بجانب أمسيات شعرية ومعرضا للصور، وسط تفاعل رسمي وشعبي بهذا الشاعر الكبير.
يقول عمرو شعبان، أحد المشاركين في التأبين، إن "الكل يجمعهم هنا حب القدال، الذي طالما أحيا قيم النضال والكفاح في نفوس السودانيين، فهو شاعر بقامة وطن".
ويضيف شعبان لـ"العين الإخبارية": "التأبين جاء في وقت مناسب للغاية وكانت تحتاجه قوى الثورة لإحياء زخم الانتفاضة واستلهام ذكريات النصر في المضي قدما في طريق تحقيق كافة الأهداف.
وتابع: "الكل هنا من أجل الوفاء للشاعر الراحل القدال، الذي جعلته أشعاره القوية خالداً مخلداً في الذاكرة السودانية، وأقل ما يمكن تقديمه له هو الاحتفاء به".
لمسات الوفاء التي جسدتها الفعالية، نالت رضاء اللجنة المنظمة لتأبين القدال، وتعهدت نائبة رئيس اللجنة رباح الصادق المهدي، بالمضي قدماً في تخليد أفكار القدال وأشعاره بطباعة كل مؤلفاته، استعدادا لعمل كبير قادم.
وأشارت رباح المهدي في حديثها لـ"العين الإخبارية" إلى أن "فكرة التأبين نابعة من كون (الشاعر ضمير الأمة) وهو ما يعنيه القدال بالضبط لنا، فكانت جمعية أصدقاء الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد نواة، لوجود لجنتنا، والتي ظلت في اجتماعات مستمرة منذ نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي.
وأضافت: "عملنا بمحبة كبيرة للقدال طغت على تفاهماتنا، واستطعنا تجاوز كل المشاكل والصعاب التي كان من الممكن أن تواجه عملا ضخما بمثل هذا وبه مشاركين كثر".
ونبهت إلى ثراء فعاليات التأبين وتنوعها، إذ تخللها معرضا للصور وأمسية شعرية ضخمة شارك فيها عشرات الشعراء، بجانب مهرجان غنائي بقصائد القدال، الذي يرسل النور وينشد للوطن والحرية وكل القيم النبيلة، فضلاً عن "ختمة قرآن" وتبرع بالدم لروح الراحل، وموكب ثوري للجان المقاومة ردد أشعار شاعرنا الكبير".
وقالت رباح المهدي، إن الأمر المفرح كان مشاركة الجهات الرسمية في الدولة، التي تكفلت بتشييد طريق أسفلت لمنطقة حليوة بولاية الجزيرة وسط السودان، والذي كان يشكل هاجسا للقدال، فضلاً عن فتح تبرع بالكتب لصالح مكتبة البلدة".
وأضافت: "لقد تمكنا من طباعة ديوانه الثوري، وسعدنا لاختيار القدال شخصية الدورة المقبلة لمعرض الخرطوم الدولي للكتاب، وسنسعى بالتنسيق مع اللجنة المنظمة هناك، لطباعة جميع أعماله".
ويعد القدال أحد 3 شعراء ألهبوا حماس السودانيين، وكانت قصائدهم تتردد بواسطة المتظاهرين السلميين في انتفاضتي أبريل/نيسان، التي أنهت حكم جعفر نميري 1985، والإخوان في 2019، ومعه محجوب شريف ومحمد سيد أحمد حميد.
ويمتاز القدال، الذي هجر دراسة الطب للتفرغ للشعر، بمفرداته الخاصة المستمدة من البيئة الثقافية واللغوية التي نشأ فيها في منطقة "الجزيرة" وسط السودان، وصنفه الشاعر المصري عبدالرحمن الأبنودي كواحد من أفضل الشعراء العرب.
وبدأ الراحل مسيرته الشعرية في نهاية ستينيات القرن الماضي، لكن نجمه سطع بقوة مطلع الثمانينيات حيث برز كشاعر ثوري وجد شعره صدى كبيرا في الشارع السوداني في ذلك الوقت.
وكان أيضا أحد الملهمين لانتفاضة أبريل/نيسان 1985 التي أطاحت بجعفر النميري، كما كان أيضا أحد الملهمين لثورة ديسمبر/كانون الأول التي أطاحت بنظام الإخوان في أبريل/نيسان 2019.