الجيش "يعلق" مشاركته بمفاوضات جدة.. السودان إلى أين؟
"تعليق" مشاركة جيش السودان بمفاوضات جدة ينذر بمنعطف قد يعيد عقارب الصراع إلى مربعه الأول مع فارق في الحيثيات ينذر بالأسوأ.
ورغم الجهود الإقليمية والدولية، عجزت الهُدنات المتعاقبة عن وضع حد للمعارك المتواصلة وسط مخاوف من تطور النزاع إلى مرحلة الحرب الأهلية.
وقال مصدر دبلوماسي سوداني لوكالة "رويترز" إن الجيش علق مشاركته في محادثات جدة بشأن وقف إطلاق النار وتمكين وصول المساعدات الإنسانية.
وبدأت المحادثات في أوائل مايو/أيار الجاري برعاية سعودية أمريكية، وأسفرت عن إعلان يتعلق بالالتزام بحماية المدنيين واتفاقين قصيرين لوقف إطلاق النار.
من جانبها، أرجعت وكالة "فرانس برس" القرار "لعدم تنفيذ قوات الدعم السريع البند الخاص بانسحابها من المستشفيات ومنازل المواطنين وخرقها المستمر للهدنة".
فيما لم يصدر تعقيب من الجيش السوداني أو القائمين على المحادثات بشأن ما ذكرته الوكالات.
تكتيكات مستمرة
يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني أمير بابكر، إنه "في إطار المفاوضات الجارية بين الجيش السوداني والدعم السريع في جدة، هناك تكتيكات من كلا الطرفين لتحقيق مكاسب على الأرض قبل الوصول إلى اتفاق حول وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم الدخول في مراحل متقدمة لحل الأزمة السياسية".
وأشار بابكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "خبر ربط الجيش انسحابه من مفاوضات جدة بعدم تنفيذ الدعم السريع قرار الانسحاب من المرافق الصحية والسكنية، يأتي في إطار استنكار لمثل هذه المواقف".
كما يأتي - وفق الخبير، انطلاقا من "محاولات الجيش لتغيير الواقع على الأرض دون استخدام ما أسماه بالقوة المميتة، ومن أجل خلق تحسين الواقع التفاوضي للجيش".
تصعيد الموقف
قبل ساعات من أنباء تعليق مشاركته بالمفاوضات، لوّح الجيش السوداني بتصعيد الموقف ضد قوات الدعم السريع، مؤكدا أنه لم يستخدم بعد "القوة المميتة".
وقال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال تفقده، مساء الثلاثاء، القوات المرابطة ببعض المواقع، إن القوات المسلحة "لم تستخدم بعد كامل قوتها المميتة، لكنها ستضطر إلى ذلك إذا لم ينصع العدو أو يستجب لصوت العقل".
وأشار إلى أن جميع المناطق والفرق لا تزال محتفظة بكامل قواتها بعد أن بسطت سيطرتها على جميع أنحاء البلاد.
وبشأن تمديد الهدنة، ذكر البرهان أنه "تمت الموافقة عليها بغرض تسهيل انسياب الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم تعديات المتمردين وقد نهبوا ممتلكاتهم وانتهكوا حرماتهم وعذبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير".
وبحسب البيان نفسه، شدد البرهان على أن القوات المسلحة "ستظل مستعدة للقتال حتى النصر، وأن المتمردين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد".
المربع الأول
في تعليقه على التطورات، يرى الكاتب والمحلل السياسي السوداني محمد الأسباط، أن "تعليق الجيش السوداني مشاركته في مفاوضات جدة على خلفية عدم التزام قوات الدعم السريع في الانسحاب من المستشفيات والأعيان المدنية، يعني العودة إلى نقطة البداية ويؤدي إلى تعقيد المشهد ويعيد القضية إلى مربع الحرب".
ويقول الأسباط لـ"العين الإخبارية"، إن "تعليق المفاوضات يضع الوسطاء أمام تحدٍ كبير جدا ربما ينسف المحاولات السلمية والتفاوضية لحل المشكلات العالقة بين الجيش والدعم السريع، ويترك المجال واسعا أمام استمرار الحرب والعودة إلى الاقتتال بكل ما يحمله من مآس ومرارات وكوارث سيدفع ثمنها المدنيون".
وحذر من أن "التعليق يهدد الهدنة القائمة الآن ويشي باستمرار الحرب لأن المفاوضات قررت هدنة لمدة 5 أيام ولكن تعليق الجيش مشاركته في التفاوض ربما يؤدي إلى إلغاء الهدنة أو تعليقها".
والإثنين، أعلنت السعودية والولايات المتحدة الأمريكية اتفاق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما لمدة 5 أيام إضافية.
ومساء 22 مايو/ أيار الجاري، بدأ سريان اتفاق جديد لوقف إطلاق النار بين الجانبين لمدة أسبوع، مع استمرار محادثات بينهما في السعودية، في محاولة للتوصل إلى وقف دائم للقتال وحل سلمي للنزاع المسلح المستمر منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي.
ومنذ التاريخ المذكور، تشهد عدة ولايات بالسودان اشتباكات بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بعد أن تبادل الطرفان الاتهامات ببدء أحدهما مهاجمة مقار تابعة للآخر.