عندما يسقط نظام حكم استمر لثلاثة عقود تحت وقع الاحتجاجات ويأتي بآخر لم يستمر سوى أيام قلائل، فمن الطبيعي أن تتوه البوصلة.
عندما يسقط نظام حكم استمر لثلاثة عقود تحت وقع الاحتجاجات ويأتي بآخر لم يستمر سوى أيام قلائل، فمن الطبيعي أن تتوه البوصلة ولو قليلا ويكون التخبط في إعادة رسم طريق العودة هو المسيطر. إلا أن الوضع في السودان مختلف، حيث تم توجيه مؤشر البوصلة نحو الحفاظ على أمن واستقرار البلاد وعدم الوقوع فريسة لأجندات دول إقليمية اعتادت على التصيد في المياه العكرة وتأليب الشعوب على أنظمتها حتى لو أتت برضاها.
ثار الحديث حول زيارة متوقعة أيضا لرئيس المجلس العسكري السوداني إلى الولايات المتحدة، وهي الزيارة التي إن تمت ستكون من الأهمية بمكان لتوسيع مشاركة وقبول السودان دوليا، وأيضًا لحل المشكلات السياسية المتعلقة بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والاقتصادية المتعلقة برفع العقوبات عن السودان
وفي هذا الاتجاه جاءت التحركات الخارجية للمجلس العسكري الذي يقود دفة الحكم حاليا في السودان، ما أعطى مؤشرا إيجابيا على بداية صحيحة لـ"مرحلة ما بعد تهاوي النظام" ليبني سدا منيعا يحفظه من التبعية ويمنع تدخل أطراف لا تريد إلا الخراب والفوضى والدمار للمنطقة.
فقد أمسكت تلك التحركات بدفة التوجهات السودانية نحو الأصوب واتجهت بها إلى الطريق السليم الذي يحفظ أمن واستقرار السودان بما يتوازى مع أمن واستقرار المنطقة، فإلى الجارة الشمالية ذهب الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان إلى مصر في أول زيارة خارجية له منذ توليه منصب رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، حيث التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي.
زيارة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مصر والسودان يحملان همًّا واحدا وهدفا واحدا وأن كليهما يعتبران عمقا استراتيجيا للآخر، وهذا هو سر الأهمية القصوى التي تتغلف بها العلاقة بين الجارتين. ولهذا اختار رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني القاهرة كمحطة أولى في زياراته الخارجية تبعها بزيارة إلى دولة الإمارات أكد خلالها على حرص السودان على توجيه الشكر للإمارات على ما تقدمه للشعب السوداني.
ويشير بذلك إلى اصطفاف السودان إلى جانب التحالف المصري- الخليجي، مؤكدا على وحدته معهم وعدم مد أية علاقات مع أي دولة أو كيان يمثل ضررا بمصالح الخليج ومصر، ليقطع بذلك وبشكل كامل سياسة "التناقضات" التي كان يتخذها نظام البشير ويؤسس لعلاقة جديدة مع مصر والخليج، كما قام بزيارة إلى دولة جنوب السودان وإلى العاصمة الكينية نيروبي لتعزيز العلاقات مع دول الجوار الأفريقي والحفاظ على العمق والامتداد الطبيعي للسودان.
وجاءت زيارة البرهان للقاهرة قبل أيام من إضراب عام دعا إليه قادة حركة الاحتجاج في السودان الثلاثاء والأربعاء؛ لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السُلطة إلى مدنيّين، ولكن الزيارات الأخيرة أرسلت رسائل مهمة مفادها الدعم العربي والعالمي للسودان. كما قطعت الطريق على من يحاولون إثارة السودانيين إعلاميًّا واللعب على شعارات اختطاف ووأد الثورة، حيث عقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي جلسة مباحثات مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان وتم التوافق خلالها على أولوية دعم الإرادة الحرة للشعب السوداني واختياراته بعيداً عن التدخلات الخارجية.
ومن المؤكد أن الزيارة ترد بشكل قوي على بعض العناصر السودانية المناهضة والمعادية لمصر ودول الخليج، كما أنها تهدف للاستعانة بالخبرات المصرية السياسية والاقتصادية وخصوصا في إدارة المرحلة الانتقالية ومحاولة رأب الصدع وتوحيد الصفوف ووقف الصراعات الداخلية في البلاد.
إن الزيارات الأخيرة قد ساهمت بشكل أساسي في قطع الطريق أمام الدول التي تسعى إلى التدخل في الشأن السوداني، وتستغل في ذلك الاضطرابات الداخلية للبلاد وفي مقدمتها محور الشر الثلاثي المتمثل في تركيا وقطر وإيران.
وفي تحرك موازٍ يخدم سياسات السودان الجديدة ويقربها أكثر إلى أشقائهم في الخليج، أعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان استعداد بلاده للوقوف مع السعودية ضد التهديدات والاعتداءات الإيرانية والدفاع عن "بلاد الحرمين"، وبقاء قواته في اليمن لهذا الهدف. كان ذلك بعد زيارة نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، إلى المملكة ولقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما يؤكد أن السلطات في السودان تتحرك بشكل قوي نحو أشقائها في محور الخليج ومصر للمساهمة في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وحفظ الاستقرار في السودان والتوجه نحو عمقها الأفريقي والعربي، وتنأى بنفسها عن أي ضرر يهدد أمن المنطقة.
واختار المجلس العسكري الانتقالي في السودان بذلك مبدأ وسياسة الوضوح والشفافية في تحركاته الأخيرة وأكد الاصطفاف مع مصر والخليج، حين أعلن من جانب وقوفه مع السعودية والإمارات في وجه التهديدات الإيرانية، والعمل على وقف العلاقات مع أي دولة تضرّ بمصالح مصر والخليج، ولاسيما في ظل دعم هذه البلدان للخرطوم ماديا وسياسيا في محاولة لشراء الذمم ونشر الفوضى.
الأمر الآخر الذي يشير إليه نشاط قادة المجلس العسكري في الإقليم هو تأكيد الالتزام بدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن بهدف إعادة موضع السودان كشريك في أمن البحر الأحمر.
وثار الحديث حول زيارة متوقعة أيضا لرئيس المجلس العسكري السوداني إلى الولايات المتحدة، وهي الزيارة التي إن تمت ستكون من الأهمية بمكان لتوسيع مشاركة وقبول السودان دوليا، وأيضًا لحل المشكلات السياسية المتعلقة بإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والاقتصادية المتعلقة برفع العقوبات عن السودان، ما يساهم في تعزيز واقع أفضل في السودان والوصول به إلى مستقبل أفضل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة