أزمة السودان.. هل تعيد الضغوط الدولية قطار المفاوضات لمساره؟
مع تصاعد العنف والاقتتال في السودان، تبرز الضغوط الدولية لوقف الحرب، والعودة إلى طاولة التفاوض، لإنقاذ المدنيين من جحيم الحرب.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وتلقى رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تناول ضرورة وقف الحرب في البلاد وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق لتخفيف معاناة المدنيين.
ووفق بيان صادر عن مجلس السيادة، اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فقد تطرق الاتصال الهاتفي إلى استئناف محادثات مدينة جدة.
دعوة استخفاف واحتقار
وبشأن استئناف مفاوضات مدينة جدة، قال نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، اليوم الأربعاء، إن دعوة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن "فيها استخفاف واحتقار للسودان، ولا يمكن قبوله".
وأوضح عقار خلال مخاطبته مؤتمرا للصلح والسلام الدائم بمدينة بورتسودان شرقي السودان، أن "السودان لم يوافق على الذهاب إلى المفاوضات، ولن نوافق، ليس لأننا لا نريد السلام، وإنما لأن السلام لا بد أن تكون له مرتكزات".
وسبق أن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
ونجح منبر جدة في إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وفي 8 مارس/آذار الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف إطلاق النار في السودان خلال شهر رمضان، في مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا وأيّدته 14 دولة وامتنعت روسيا عن التصويت عليه، ويدعو "أطراف النزاع كافة للسعي إلى حل مستدام للنزاع عبر الحوار".
وتزايدت دعوات أممية ودولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18 في البلاد.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، عباس عبدالرحمن، إن تصريحات نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، تأتي في إطار المناورات، قبل انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات في مدينة جدة.
وأضاف عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية"، أن "السودان يريد العودة إلى التفاوض وقواته تحقق انتصارات حقيقية في أرض المعركة".
وأشار إلى أن "نجاح المحادثات في منبر جدة يحتاج إلى توفر الإرادة السياسية من طرفي النزاع".
وأضاف أن "الضغوط الدولية لن تتوقف من أجل وقف الحرب وتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، والعودة إلى المسار المدني الديمقراطي".
وفي 9 مايو/أيار الجاري، أغلق قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، الباب أمام أي مفاوضات أو سلام أو وقف إطلاق نار مع قوات "الدعم السريع".
وقال البرهان لدى تفقده متحركات الجيش في الخطوط الأمامية بولاية نهر النيل شمالي السودان: "لن تكون هناك مفاوضات أو سلام أو وقف إطلاق نار مع هؤلاء المتمردين".
إراقة الدماء في الفاشر
وشدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال اتصاله الهاتفي مع قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، على ضرورة وقف الأعمال العدائية في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وذكرت مديرة برامج "أطباء بلا حدود"، كلير نيكوليه، في بيان لها: "نشهد على إراقة الدماء أمام أعيننا، إذ لا تترك شدة المعارك أي متنفس للمدنيين فيما تغرق المستشفيات في القتال، ما يزيد من صعوبة علاج الجرحى".
وأضافت: "يجب حماية المرافق الطبية، وعلى الأطراف المتحاربة احترام الدور المحايد للمرافق بصفتها تقدم الملاذ للمرضى والجرحى يتلقى فيها الناس المساعدة الطيبة بأمان".
أعداد كبيرة من الجرحى
وقال منسق مشاريع أطباء بلا حدود عبدالفتاح يوسف إبراهيم، إن المستشفى الجنوبي مزدحم للغاية باعتباره الوحيد القادر على علاج الجرحى المتدفقين بأعداد كبيرة.
وأوضح أن المستشفى استقبل اعتبارا من 10 مايو/أيار الجاري أكثر من ألف مريض، منهم 145 شخصا توفوا متأثرين بجراحهم.
وسقطت قذيفة جراء غارة جوية في 11 مايو/أيار الجاري، بالقرب من مستشفى الأطفال الوحيد في الفاشر، متسببة في مقتل طفلين كانا في وحدة العناية المركزة ومقدم رعاية صحية، كما جرى استهداف مستشفى النساء والتوليد في 19 مايو/أيار.
وحذرت "أطباء بلا حدود" من أن القتال العنيف والمتواصل في الفاشر بالسودان لا يترك أي مأمن للمدنيين في المدينة، كما المرضى والفرق الطبية باتوا في عداد الخسائر المدنية الهائلة.
وتجاهلت أطراف النزاع مناشدات إقليمية ودولية عديدة ضرورة تجنيب مدينة الفاشر خطر المعارك، باعتبارها مركزا إنسانيا حيويا لجميع أنحاء دارفور وتؤوي 800 ألف نازح علاوة على مليوني شخص.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة، بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.