أغيثوا اقتصاد السودان.. الأزمات تتفاقم مع وصول اللاجئين الإثيوبيين
تصريحات الحكومة السودانية بمختلف مستوياتها باتت تشبه نداء استغاثة للمجتمع الدولي لإنقاذ الاقتصاد الذي تفاقمت أزماته.
وتتفاقم أزمة السودان الاقتصادية مع تدهور الجنيه، ووصول اللاجئين الإثيوبيين لشرق السودان وهي المناطق الأكثر فقرا، ما يهدد استمرار برنامج إصلاح الاقتصاد.
ويرى السودان أن تدهور سعر الجنيه أمام الدولار سوف يهدد استمرار برنامج ترشيد دعم الوقود، كما يرى أن تقاعس المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات لرعاية اللاجئين الإثيوبيين سيؤدي إلى كارثة إنسانية.
ترشيد دعم الوقود مهدد
قال خيري عبدالرحمن، وزير النفط السوداني، إن إستمرار تدهور قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية يشكل تهديدا خطيرا لسياسة ترشيد دعم الوقود.
وأوضح خيري في تصريحات صحفية، الخميس، أن تراجع الجنيه سيؤدي إلى ارتفاع سعر الوقود الحر الذي يتم استيراده عبر القطاع الخاص، فبالتالي يتناقض ذلك مع هدف الدولة الرامي للانخفاض المستمر في أسعار بيع البنزين والجازولين.
ومنذ نحو شهر، بدأ السودان تحرير الوقود تدريجيا إذ حدد سعرين للبيع، الأول تجاري، يستورده القطاع الخاص ويباع وفق السعر العالمي الحر، والثاني، خدمي مدعوم من الدولة.
ويصعد سعر الوقود الحر، وينخفض حسب سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية في التعاملات غير الرسمية، إذ تعتمد الشركات الخاصة على السوق السوداء لتوفير الدولار لأجل استيراد المواد البترولية.
تراجع الجنيه
وشهد الجنيه تراجع مضطرد الأسبوع الجاري، حيث صعد سعر الدولار لأكثر من 265 جنيها، في تعاملات السوق السوداء.
وقال وزير النفط السوداني، إن الدولة لجأت إلى سياسة "ترشيد الدعم" عبر استيراد المواد البترولية بواسطة شركات القطاع الخاص نسبة لعدم توفر العملة الصعبة لدى الحكومة، لذلك فإنه يتم احتساب السعر وفق السعر الحر للدولار.
وأضاف "من ضمن سياسة ترشيد الدعم، كان من المفترض أن تتم مجموعة من الخطوات التي تضمن الانخفاض المستمر لسعر الدولار في السوق الحر وبالتالي تراجع في سعر الجازولين والبنزين".
وتابع "ما يحدث الآن هو تهديد خطير لسياسة ترشيد الدعم للوقود ويتعارض تماما مع المبدأ الذي قامت عليه ولابد من اتخاذ كافة الإجراءات والسياسات التي تؤدي إلى تقوية الجنيه السوداني لتنخفض على ضوء ذلك أسعار البنزين والجازولين وتقل معاناة الناس".
وأعلن خيري أن المصفاة الرئيسية بالخرطوم ستتوقف في بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل لأغراض الصيانة.
وأشار إلى أن كل الترتيبات تمت مع شركات القطاع الخاص لاستيراد بواخر وقود لتغطية الطلب من السوق العالمي.
وقال "انخفاض الجنيه السوداني في السوق الحر سيؤدي حتما إلى زيادة أسعار البنزين والجازولين الحر بعد أن نجحنا في خفضها هذا الأسبوع".
ودعا خيري الى تدخل كافة مؤسسات الدولة ذات الصلة لوقف هذا التدهور السريع لتفادي زيادات غير موضوعية وغير محتملة لأسعار الوقود.
وناشد المواطنين بترشيد الاستهلاك وعدم التعامل مع القنوات غير الشرعية للتوزيع و إتباع الضوابط التي وُضعت حتى يتم تنظيم وتوظيف جيد للمشتقات التي تم توفيرها.
تفاقم أزمة الاقتصاد بوصول اللاجئين الإثيوبيين
ومن جانب آخر، يخشى السودانيون من أن يؤدي الوصول الكثيف للاجئين الإثيوبيين الى زيادة حدة الأزمة الاقتصادية في بلادهم الناجمة عن سنوات من الحرب وسوء الإدارة وأخيرا فيضانات كارثية.
ودخل أكثر من 40 الف لاجئ الى السودان منذ بدء النزاع في 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وبين إقليم تيجراي المتمرد والمجاور للسودان.
معسكرات غير صحية
وأقام الذين فروا من المعارك في معسكرات غير صحية على الجانب الآخر من الحدود في شرق السودان حيث ينقصهم الغذاء والمياه والمرافق الصحية.
وقال سليمان علي والي القضارف لفرانس برس "إن عدد (اللاجئين) أكبر من قدراتنا (على الاستقبال) وأي زيادة في الأعداد ستؤدي الى ضغط إضافي ليس فقط على الولاية ولكن على السودان ككل".
وأضاف "منذ بداية الأزمة، كانت استجابة المنظمات غير الحكومية ضعيفة وبالتأكيد ليست على مستوى الأزمة الحالية".
وأمر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، الخميس، بشن الهجوم النهائي على السلطات المتمردة في ميكيلي عاصمة تيغراي.
المناطق الأكثر فقرا
ويأتي نزوح اللاجئين الى السودان في وقت يشهد فيه هذا البلد عملية انتقالية هشة منذ الإطاحة بعمر البشير في أبريل/نيسان 2019 اثر تظاهرات جماهيرية ضده.
وتسعى السلطات الجديدة إلى إعادة بناء اقتصاد البلد الذي يعاني بسبب سنوات من العقوبات الأمريكية وسوء الإدارة والنزاعات المسلحة.
ويعيش قرابة 65% من قرابة 42 مليون سوداني تحت خط الفقر، وفق الأرقام الحكومية.
وتأثر الاقتصاد بشدة كذلك من جراء الفيضانات الكارثية التي اجتاحت جزءا كبيرا من البلاد وكذلك من تداعيات جائحة كورونا.
وتتجاوز نسبة التضخم في السودان 200% ويعاني البلد من نقص مزمن في العملات الأجنبية، ما يؤدي إلى طوابير طويلة لشراء الخبز وأخرى أمام محطات الوقود.. فيما تنقطع الكهرباء ست ساعات يوميا على الأقل.
مساعدة المجتمع الدولي ضرورة
ويشعر سكان شرق السودان، في القضارف وكسلا، على وجه الخصوص بحدة الأزمة الاقتصادية، وهما الولايتان اللتان استقبلتا اللاجئين.
وقال جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية إن "شرق السودان هو المنطقة الأكثر فقرا في البلاد وتدفق اللاجئين سيؤدي إلى تزايد التنافس على الموارد والمساعدات".
وأضاف أنه "يتعين على الحكومة الاعتماد بقوة على مساعدات المنظمات المحلية والدولية".
واستقبلت مدينة حمداييت الحدودية على أطراف كسلا، نحو 28 ألف لاجئ. ويقول السكان هناك إنه مع مجيئهم ارتفعت الأسعار في الأسواق المحلية.
ويقول حاكم القضارف "كنا نعاني أصلا من نقص في الدقيق والوقود وسلع أخرى أساسية.. ولكن الأزمة الحالية جعلت الحصول على هذه السلع مكلفا أكثر".
وضع صحي "رهيب"
وإضافة إلى المشكلات الاقتصادية، فإن الوضع الصحي سيء في معسكرات اللاجئين.
ويؤكد أطباء المعسكرات أن حالات ايدز وحمى دوسنتاريا وسل ظهرت بالفعل بين اللاجئين.. غير أنه لم يعلن أي رقم رسمي بعد.
ولكن التكدس وتردي الظروف المعيشية يمكن أن يزيدا الموقف سوءا خصوصا مع الفرص المحدودة في اللجوء المستشفيات والمنشآت الصحية.
ولم يتم تسجيل أي حالة إصابة بكورونا رسميا ولكن ما زالت هناك مخاوف من انتشار الفيروس في المعسكر والقرى المجاورة.
ويقول حاكم القضارف "الوضع الصحي الآن رهيب".
ويدعو آخرون المجتمع الدولي إلى لعب دور أكثر أهمية إذا ما استمر النزاع.
ويعتقد الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير أن "تدفقا أكبر للاجئين سيكون له انعكاسات اقتصادية بالغة الخطورة على السودان".
وأضاف الناير "نحن بحاجة الى مساعدة المجتمع الدولي (...) وإلا فإن الاقتصاد في السودان سينهار".