المعارضة السودانية.. رحلة العودة لـ"صناديق الاقتراع"
المجتمع الدولي رأى في الانتخابات السودانية القادمة طريقاً لتسوية سياسية، دفعته لإشراك جميع المكونات لضمان الانتقال للمرحلة اللاحقة.
تسيطر الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في السودان عام 2020م، بشكل لافت على المشهد السياسي بالبلاد هذه الأيام، في أعقاب إعلان قوى سياسية مدنية ومسلحة عزمها خوض الغمار الانتخابي وفق اشتراطات واستحقاقات تضمن التنافس النزيه والعادل.
ورغم تباين مواقف القوى السياسية حول المشاركة في الإنتخابات القادمة من عدمه، فإن "المواجهة السليمة" أصبحت خيارا بارز ا للمعارضة، في تحول أثار جملة تساؤلات لدى المهتمين بالشأن السوداني.
وفسر خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" التحولات الكبيرة في مواقف الفرقاء السودانيين، بأنه نتاج لمنهج جديد تبناه المجتمع الدولي يرمي إلى دعم العملية السلمية في السودان ونبذ وسائل العنف بغرض الوصول إلى تسوية سياسية آمنة تجنب البلاد مآلات انفراط العقد الأمني.
وقالوا إن المجتمع الدولي رأى في الانتخابات القادمة طريقاً مناسباً للتأسيس إلى تسوية سياسية، "لذلك سيعمل على مشاركة جميع المكونات بها لضمان الانتقال للمرحلة اللاحقة".
ومنذ صعود نظام المؤتمر الوطني بزعامة عمر البشير لحكم البلاد في عام 1989م، درجت قوى المعارضة على مقاطعة الانتخابات التي تُجرى من وقت لآخر، بدعوى عدم النزاهة والتزوير، باستثناء انتخابات 2010م التي تمت بموجب اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا" حيث شهدت مشاركة مجمل المكونات السياسية.
وفي خطوة مفاجئة، قرر نائب رئيس الحركة الشعبية - قطاع الشمال ياسر سعيد عرمان ضرورة أن تنتقل حركته من الكفاح المسلح إلى العمل السلمي وسط الجماهير وأن وسائل العنف لم تعد ناجعة.
وتبع ذلك، إعلان حزب المؤتمر السوداني المعارض عزمه المشاركة في الانتخابات شريطة توفر البيئة الملائمة لإجرائها.
وسبق ذلك تبني تحالف "نداء السودان" المعارض إعلاناً دستورياً يقر العمل السلمي ويحظر التغيير بالوسائل العسكرية، على الرغم من ضمه فصائل مسلحة تشمل حركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال، وهو ما فسره مراقبون بأنه يصب في صالح العملية السلمية بالبلاد وانتخابات 2020م.
وقال "نداء السودان" الذي يرأسه زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي خلال بيان صادر مؤخراً "إن الانتخابات حق ديمقراطي ووطني وإنساني للشعب، له استحقاقات وشروط حتى تكون حرة ونزيهة لتحقيق الانتقال الديمقراطي".
ولكن في الوقت الذي تتسابق فيه القوى السياسية للاستعداد إلى الانتخابات القادمة، يرفض تحالف قوى الإجماع الوطني مجرد سماع مفردة "انتخابات" – وهو تكتل معارض لا يستهان به، ويضم الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي.
وقال عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، صديق يوسف إنهم متمسكون بموقفهم الرافض للمشاركة في أي انتخابات أو تفاوض مع نظام الحكم الحالي، وأضاف "سنقاطع الانتخابات القادمة مثلما فعلنا في 2010 و2015م".
وبرر يوسف، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، موقفهم الرافض للمشاركة، بأنه لا يمكن إجراء عملية انتخابية نزيهة في ظل سيطرة نظام المؤتمر الوطني على مقاليد الحكم، وقال إنهم سيستمرون في التصعيد الجماهيري وصولاً لإسقاط النظام وإقامة البديل الديمقراطي – حسب وصفه.
استحقاق دستوري
وتدعم القوى السياسية المشاركة في حكومة الوفاق الوطني والتي أبرزها حزب المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، إلى جانب حزب المؤتمر السوداني المعارض، الانتخابات بوصفها استحقاقا دستوريا واجب الوفاء مع وضع شروط تضمن نزاهة العملية.
وقال نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني مستور أحمد إن حزبه عازم على خوض الانتخابات القادمة حالة تم الإيفاء بالاشتراطات التي وضعوها للمشاركة.
وذكر مستور خلال تعليق لـ"العين الإخبارية" أن حزبه اتخذ قرار المشاركة بعد دراسة مستفيضة ومناظرة بين تياراته الداخلية، شريطة توفر البيئة الملائمة لإجرائها انتخابات حرة ونزيهة في تحقيق وقف الحرب ورفع حالة الطوارئ في عدد من الولايات وكفالة الحريات العامة بجانب تكوين مفوضية قومية للانتخابات تتمتع بالنزاهة والكفاءة والقبول والثقة بجانب صياغة قانون انتخابي جديد يعالج قصور القانون القديم، فضلاً عن اعتماد آليات مراقبة وطنية وخارجية ذات فاعلية وصدقية ومراجعة السجل الانتخابي وتنقيحه وسد ثغرات التزوير.
وقال إن حزبه سيتواصل مع جميع تشكيلات المعارضة من أجل العمل على بلورة موقف موحد بشأن الرؤية حول انتخابات القادمة.
بدوره، أكد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي الأمين عبد الرازق مشاركتهم في انتخابات 2020م بوصفها أحد أهم مخرجات الحوار الوطني الذي يدعمونه ودخلوا بموجبه في تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
وقال الأمين لـ"العين الإخبارية": "نحن جزء من حكومة الوفاق التي تمثل الانتخابات القادمة إحدى أبزر مهامها ولكن هذا لا يمنعنا من تبني اشتراطات ومطلوبات تضمن نزاهة العملية".
وشدد على ضرورة تنفيذ جميع توصيات الحوار الوطني المتعلقة بالانتخابات التي من بينها تعديل قانون الانتخابات وتكوين مفوضية مستقلة وإتاحة حرية العمل السياسي.
الحزب الحاكم يرحب
وأبدى الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان عمر باسان، ترحيبه بالتحولات التي طرأت على مواقف قوى المعارضة لا سيما المسلحة.
واعتبر باسان خلال تعليق لـ"العين الإخبارية" أن جنوح بعض منسوبي الحركات المسلحة للعمل السلمي وإعلان قوى سياسية خوض الانتخابات يعد موقفا وطنيا يصب في صالح الأمن والاستقرار للبلاد.
وطالب قوى المعارضة بعدم التمترس في المواقف والأجندات الحزبية، مشددا على ضرورة أن تعلو مصلحة الوطن على المصالح الذاتية والحزبية لضمان استكمال السلام والتنمية.
الانتخابات طريق التسوية
ويرى الصحفي والمحلل السياسي أحمد حمدان العريق، أن التحولات المباغتة في مواقف بعض القوى المعارضة أتت نتيجة لتغيير المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية منهج إدارة الأزمة السودانية، حيث بدا جليا عدم رغبتهم في اتباع وسائل العنف لتغيير النظام من خلال وقف الدعم المالي للحركات المسلحة والتكتلات الثورية.
وقال لـ"العين الإخبارية": "القوى الدولية حريصة على عدم انفراط عقد الأمن في السودان حتى لا تتأثر مصالحها بالمنطقة، حيث تقدم الخرطوم خدمات كبيرة في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر".
وشدد على أن انتخابات 2020م تشكل فرصة كبيرة للمجتمع الدولي لتنفيذ عملية الهبوط لنظام الحكم "فبالتالي من الطبيعي أن تسعى لجمع كل الأطراف السودانية حولها".