أزمة السودان.. معركة "تكسير العظام" بـ"نهاية مفتوحة"
كر وفر وإعلانات نصر وسيطرة غلفت المشهد السوداني منذ اندلاع الاشتباكات الدامية بين الجيش والدعم السريع، دون أفق واضح في البلد الأفريقي.
وفي أحدث تطور، استيقظ السودانيون صباح الإثنين، على أثير الإذاعة، وهي تحت سيطرة "قوات الدعم السريع"، وتبث برامج وأغاني وأهازيج تبشر بحسم المعركة مع الجيش السوداني والسيطرة على الوضع في العاصمة الخرطوم.
ومع استمرار المعارك الطاحنة، لم يفرض أي من الأطراف المتحاربة سيطرته بالكامل على المشهد، ما يشير إلى خطورة الأوضاع وينبئ باستمرار النزيف إلى أطول فترة ممكنة، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين وهدم المباني، وانهيار الوضع الصحي والخدمي بالكامل.
وتواصلت الاشتباكات، اليوم الإثنين، في العاصمة الخرطوم لليوم العاشر على التوالي، وسط تحليق للطيران الحربي واستمرار حالات النزوح نحو مدن الولايات الأخرى.
وضع إنساني صعب
وتحت وطأة القتال، تدهورت خدمات الكهرباء والمياه والإنترنت، وطالت طوابير "رغيف الخبز" أمام المخابز، وأغٌلقت محطات الوقود بالكامل، وخرجت مستشفيات بشكل شبه كامل من الخدمة، ما يعقد الأوضاع الإنسانية.
فيما شكا مواطنون في العاصمة الخرطوم لـ"العين الإخبارية"، من تذبذب في الوصول إلى خدمات الإنترنت، بعد أن كانت مقطوعة لساعات طويلة.
وفي ظل خطورة الموقف، قامت الأمم المتحدة اليوم، بنقل موظفيها المعينين، بصورة مؤقتة، من الخرطوم إلى بورتسودان بغرض إجلائهم إلى البلدان المجاورة والعمل عن بعد من هناك.
يعد هذا إجراء لتقليل المخاطر على سلامة الموظفين الدوليين بينما يواصلون تقديم المساعدة للشعب السوداني.
وبالفعل وصل حوالي 700 من موظفي الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية، وموظفي السفارات وعائلاتهم إلى بورتسودان شرقي السودان عن طريق البر.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة في بيان أنه "تم بالفعل إجلاء 43 من موظفي الأمم المتحدة المُعينين دوليًا و29 من موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية من الجنينة (غرب دارفور) وزالنجي (وسط دارفور) إلى تشاد".
وتابعت "بينما العمليات الأخرى جارية أو مخططة.. وسيبقى عدد بسيط من الموظفين، من ضمنهم الممثل الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس، في السودان يواصلون العمل من أجل حل الأزمة الحالية".
وأضاف، "كما تتخذ الأمم المتحدة التدابير اللازمة لحماية الموظفين السودانيين وعائلاتهم، وتبحث في كل السبل الممكنة لدعمهم. يعمل لدى الأمم المتحدة في السودان 877 موظف دولي و3272 موظف محلي، بإجمالي 4149 موظف وموظفة."
"لن نغادر السودان"
بدوره، قال الممثل الخاص للأمين العام للسودان: "طرأ تعديل على طبيعة تواجدنا على الأرض في ضوء الوضع الأمني، لكن اسمحوا لي أن أؤكد لكم أنه لا توجد خطة أو تفكير بمغادرة الأمم المتحدة للسودان".
وأضاف في تصريحات صحفية: "نحن ملتزمون بالبقاء في السودان ودعم الشعب السوداني بكل وسيلة ممكنة. وسنبذل قصارى جهدنا لإنقاذ الأرواح مع حماية سلامة أفرادنا".
ومضى قائلا "سيواصل الممثل الخاص للأمين العام فولكر بيرتس استخدام مساعيه الحميدة، بالتنسيق الوثيق مع الشركاء، لتهدئة التوترات وإنهاء الأعمال العدائية في السودان."
ميدانيا، وبينما يسيطر الجيش السوداني على القواعد العسكرية والطيران الحربي الذي يحلق باستمرار في سماء الخرطوم، تقول قوات "الدعم السريع" إنها تبسط سيطرتها على مساحة شاسعة في العاصمة.
في المقابل، أعلن الجيش السوداني، اليوم، أن الموقف العملياتي "مستقر" بشكل ملحوظ وأن قوات "الدعم السريع" تبعثرت على نطاق واسع بالخرطوم.
وأوضح "تبعثرت مجموعات الدعم السريع على نطاق واسع بالخرطوم (الجزء الجنوبي من العاصمة) وأجزاء محدودة من الخرطوم بحري (الجزء الشمالي الشرقي من العاصمة) وسط الأحياء للاحتماء بهذه التجمعات السكنية واتخاذ المواطنين دروعا بشرية".
بينما أكدت قوات "الدعم السريع" في بيان تواجدها في كافة الميادين والخروج بالبلاد إلى بر الأمان بأقل الخسائر والأضرار وسط المدنيين.
وأضاف البيان: "نؤكد أننا موجودون في كافة الميادين من أجل انتزاع هذا الجزء الخبيث من أرض السودان والخروج ببلادنا إلى بر الأمان بأقل الخسائر والأضرار وسط المدنيين."
وتابع "تعمل قواتنا وسط جماهير الشعب السوداني لتقديم الخدمات الأساسية وفتح ممرات إنسانية في هذه المرحلة الصعبة التي تشهدها بلادنا، إلى جانب انشغالها بإجلاء البعثات الدبلوماسية ورعايا الدول الأجنبية".
وقوات "الدعم السريع" أصبحت قوة موازية للجيش، بتعداد يفوق 100 ألف جندي وأكثر من 20 ألف عربة مسلحة بمدافع رشاشة مضادة للطيران، وسلاح الدوشكا المدمر.
استراتيجيات مختلفة
وفيما يتعلق باستراتيجية القتال، يعتمد الجيش السوداني، حاليا على استراتيجية النفس الطويل لاستنزاف قوات "الدعم السريع" بضرب معسكراتها الرئيسة وتدمير مخازنها، عبر الطيران الحربي، وقطع خطوط الإمداد وصولا إلى مرحلة التشتيت والاستسلام، وفق مراقبين.
فيما تتمركز "قوات الدعم السريع"، فوق أسطح المباني العالية بكامل تسليحها الأمر الذي يمكنها من توجيه ضربات حاسمة لأي من المواقع الاستراتيجية للجيش، وتسعى للسيطرة على المواقع السيادية بالكامل.
كما استهدفت قوات "الدعم السريع" منذ ضربة البداية، القواعد الجوية والمطارات الاستراتيجية لمنع طائرات ومقاتلات الجيش السوداني من استخدامها نقطة انطلاق للقصف أو تلقي الدعم العسكري الخارجي، على حد قول المراقبين.
لكن هناك مخاوف تسيطر على السودانيين من تدخل أطراف دولية لدعم أي من القوتين المتحاربتين؛ الأمر الذي يعقد المشهد بالكامل ويؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتحولها إلى حرب أهلية في ظل الغبن القبلي والإثني المتوارث، ما يمكن أن يقود إلى انهيار الدولة، وفق المراقبين.
على النقيض، من المحتمل بشكل قوي أيضا، تدخل قوى دولية من أجل تدشين مفاوضات بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع" لإنهاء الاقتتال.
ومنذ 15 أبريل/ نيسان الجاري، يشهد السودان اشتباكات بين الجيش و"الدعم السريع" في الخرطوم ومدن أخرى، وتبادل الطرفان اتهامات ببدء كل منهما هجوما على مقار تابعة للآخر بالإضافة إلى ادعاءات بالسيطرة على مواقع تخص كلا منهما.
aXA6IDE4LjIxOS4yMDcuMTE1IA== جزيرة ام اند امز