"نار وماء".. السودانيون يعيشون الكارثة والمأساة ضعفان
المصائب لا تأتي فرادى على الشعب السوداني، الذي يعاني الأمرين؛ الماء والنار، فما قد يخلفه الفيضان المنتظر من دمار يضاهي ما تُحدثه القذائف في جدر المنازل.
فينما يستعر أوار الحرب بين المتخاصمين في صفوف الجيش و"قوات الدعم السريع"، يخشى السودانيون غضب الطبيعة، فيختلط دوي المدافع بهدير السيول وضجيج الرعود.
على هذا الكابوس استيقظ عبدالوهاب موسى (34 عاما)، فجرا خائفا يترقب وهو يشاهد انهيار أجزاء كبيرة من السور الخارجي لمنزله بالعاصمة الخرطوم، وسقوط بوابة الحديد، فاعتقد في بادئ الأمر أن قذيفة سقطت داخل منزله، لكنه اكتشف أن الانهيار سببه عاصفة قوية أعقبها هطول الأمطار وسقوط البرَد.
يقول موسى في حديثه لـ "العين الإخبارية": "استيقظت من النوم والخوف يملأ قلبي بسبب انهيار السور الخارجي للمنزل، قدرت أن الانهيار بسبب سقوط قذيفة حربية، لكن الحادثة كانت بسبب العاصفة والأمطار".
وأضاف: "كُتب لنا أن نعيش المُعاناة مضاعفة مع نيران الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، وهطول الأمطار، وجريان السيول".
غضب الطبيعة
وخلال الأيام الماضية بدأ موسم هطول الأمطار الذي عادة ما يؤدي إلى حدوث سيول وفيضانات وازدياد مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه في ظل توالد البعوض وتراكم النفايات، وتحلل الجثث الملقاة على الشوارع والأرصفة بسبب الحرب.
ويستمر موسم الأمطار الخريفية الغزيرة في السودان في الفترة ما بين من يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول من كل عام.
من جهتها، تقول المواطنة رحاب عبدالمنعم (45 عاما): "هطول الأمطار يزيد معاناة الناس في ظل المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع النقص الحاد في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب ونقص الغذاء".
رحاب لا تختلف معاناتها عن مواطنها موسى، وتقول في حديثها لـ"العين الإخبارية": "نتخوف من السيول الغزيرة والفيضانات التي تؤدي إلى انهيار المنازل"، مضيفة أن "العام الماضي شهد كارثة حقيقية عندما غادر المواطنون منازلهم التي غمرتها المياه واللجوء إلى نصب الخيام على طرق الأسفلت الرئيسية".
وفي 14 أغسطس/آب الماضي أعلنت الأمم المتحدة تضرّر نحو 136 ألف سوداني بمختلف مناطق البلاد، جرّاء الأمطار الغزيرة والسيول، التي بدأت مع يونيو/حزيران 2022.
نزوح قد يتضاعف
النزاع التي اندلع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي تسبب في موجة نزوح كبيرة، وهطول الأمطار والسيول والفيضانات المتوقعة ربما تضيف موجة نزوح جديدة.
بالنسبة للمواطن أيمن عبدالمنعم فإن "السيول تشرد أعدادا كبيرة من المواطنين خاصة القاطنين على شريط النيل الأزرق، بسبب ارتفاع مناسيب مياه النيل بعد هطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية".
ويقول عبدالمنعم، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "موسم الخريف مشكلة حقيقية يواجه الناس في كل عام، ومع الحرب المستمرة والفيضانات المتوقعة نأمل أن تقف المنظمات الإنسانية إلى جانبنا لتخفيف الكارثة".
وفي 24 مايو/أيار الماضي، أعلن المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في تغريدة، "فرار أكثر من 300 ألف شخص من السودان إلى البلدان المجاورة".
وذكر تقرير نشرته الأمم المتحدة في 17 مايو/أيار الماضي أن "نحو 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان السودان بحاجة للمساعدات الإنسانية".
أزمة غذاء
الخطر الحقيقي للحرب في البلاد امتد ليشمل الموسم الزراعي بسبب نقص الوقود والأيدي العاملة، الأمر الذي يؤدي إلى أزمة غذاء حادة في البلاد التي مزقتها الحرب.
وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف عدد سكان السودان، باتوا الآن في حاجة للمساعدة والحماية.
ويقول المزارع نبيل نصر الدين "الموسم الزراعي فشل تماما بسبب تأخر البنوك في التمويل، خاصة أن تلك البنوك تعرضت للنهب والسرقة منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان الماضي".
وأشار نصر الدين، وهو يتحدث عن معاناة المزارعين لـ"العين الإخبارية"، إلى أن الحصول على البذور أصبح أيضا مشكلة كبيرة، بالإضافة إلى عدم توفير الأسمدة والوقود.
وفي السودان ما يزيد عن 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) من الأراضي الصالحة للزراعة، وأكثر من 100 مليون رأس من الماشية.
ويتوفر السودان، الذي يطلع عليه سلة بأنه غذاء الدول العربية، مساحات من الغابات والمناطق الصالحة للرعي، بواقع 52 مليون فدان، فيما يزيد معدل هطول الأمطار السنوي على أكثر من 400 مليار متر مكعب.
ويُشكل القطاع الزراعي ميداناً مفتوحاً لاستقطاب الأيدي العاملة والتخفيف من نسبة البطالة، فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان.