السودان و«إيغاد».. هل يغلق «التجميد» أبواب الدور الإقليمي؟
يمضي السودان في طريق الحرب، دون حل سياسي يلوح في الأفق، ما أدى إلى تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية، وزيادة أعداد النازحين واللاجئين.
وأفادت وزارة الخارجية في السودان بأن رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بعث برسالة خطية، صباح اليوم السبت، لرئيس جمهورية جيبوتي ورئيس الدورة الحالية للهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد"، يبلغه فيها قرار حكومة السودان بتجميد عضويتها في المنظمة.
و"إيغاد" منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1969، تتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلا من "إثيوبيا، وكينيا، وأوغندا والصومال، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان".
وحسب البيان الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فإن القرار جاء "لتجاهل المنظمة قرار السودان، الذي نقل إليها رسميا وقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن".
وأضاف "ومع ذلك تم إدراج بند حول السودان في قمة رؤساء الدول والحكومات الاستثنائية الثانية والأربعين التي انعقدت يوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني بالعاصمة الأوغندية كمبالا، وقاطعها السودان، وحمل بيانها الختامي عبارات تنتهك سيادة السودان".
وأوضح الخطاب أن "حكومة السودان غير ملزمة ولا يعنيها كل ما يصدر من إيغاد في الشأن السوداني".
وكانت المنظمة الأفريقية قاب قوسين من عقد لقاء مباشر بين البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" قرب نهاية العام الماضي، لكن جهود حل الأزمة المندلعة منذ أبريل/نيسان الماضي تعثرت.
"المواجهة"
بالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي عبداللطيف أبوبكر فإن تجميد السودان عضويته في منظمة "إيغاد" يعني المواجهة مع المجتمع الدولي، الذي يكثف جهوده لإيقاف الحرب، واستعادة المسار المدني الديمقراطي.
وأوضح أبوبكر، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "القرار يعني استمرار الحرب دون توقف، ودون مراعاة الأوضاع الكارثية التي يعيشها المواطن، الذي يعاني من ويلات النزوح واللجوء".
وأضاف أن "الجنرال البرهان، اختار مواصلة القتال رغم الهزائم المتتالية التي يتعرض لها الجيش السوداني في كل الجبهات".
من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي عباس عبدالرحمن إن أنصار النظام السابق، بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، "لا يريدون إيقاف الحرب، لذلك يعملون ليل نهار من أجل التعبئة والاستنفار وتسليح المواطنين لمواجهة قوات الدعم السريع".
وأشار عبدالرحمن، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "تسليح المواطنين الأبرياء سيقود في نهاية المطاف إلى الحرب الأهلية، خاصة أن توزيع السلاح كان بصورة عشوائية ودون ضوابط".
وأضاف أن "تجميد السودان عضويته في منظمة إيغاد يعني أن جنرالات الجيش لا يتورعون عن التبعات الناتجة عن اتخاذ هكذا قرارات، دون النظر إلى العواقب".
"غلق المنابر"
من جانبه، رأى الكاتب والمحلل السياسي الطاهر ساتي أنه "رغم أن إيغاد لم تعد محايدة في قضية السودان، ورغم أنها ليست ذات تأثير في مجرى الأحداث، بدليل فشلها في تنفيذ توصيات جلسة جيبوتي، إلا أن قرار تجميد العضوية غير موفق".
وأوضح ساتي، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "الحكومة السودانية في حاجة إلى استغلال كل المنابر والمنافذ لصالح البلاد؛ وليس إلى إغلاقها"، مضيفا "إغلاق المنابر والمنافذ الإقليمية دليل على عجز الحكومة وفشل دبلوماسيتها في استغلالها لصالح القضية".
وأضاف "كان على الحكومة الاكتفاء بقرار عدم التعامل مع إيغاد في قضية الحرب، وتفعيل منبر جدة، ولكن تجميد العضوية قرار خاطئ".
وتابع أن "السودان لم يعد يراهن على الإيغاد في تحقيق السلام، فالرهان كان ولا يزال على منبر جدة أو حوار سوداني-سوداني، دون أي تدخل خارجي، بشرط أن يؤدي إلى أهداف المعركة الوطنية".
ويختلف الكاتب والمحلل السياسي محمد عبدالقادر مع تقدير ساتي، مشيرا إلى أن "تجميد عضوية السودان في منظمة إيغاد قرار محترم، يؤكد تماسك وعافية جهاز المناعة السيادي ويحفظ هيبة الدولة، التي ينبغي أن تكون قوية وشامخة ومتماسكة وعصية على الترويض والتركيع والاستهداف".
وأوضح عبدالقادر، عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن "القرار ينم عن تماسك الأجهزة المعنية باتخاذ القرارات الكبيرة في البلد". ونوه إلى أن "البلاد تحتاج إلى مزيد من القرارات لحفظ هيبة الدولة، وتمتين جدار العمل الخارجي".
قرارات القمة
وفي 16 يناير/كانون الثاني الجاري قررت الخارجية السودانية وقف الانخراط وتجميد التعامل مع منظمة "إيغاد" بشأن الأزمة الراهنة بالبلاد.
ووفق بيان صادر عن الخارجية السودانية، فإن وزيرها المكلف علي الصادق أبلغ نظيره بجمهورية جيبوتي رئيس مجلس إيغاد الوزاري عبر رسالة مكتوبة، قرار الحكومة وقف الانخراط وتجميد التعامل مع "إيغاد" بشأن ملف الأزمة الراهنة في السودان.
وأرجعت الخارجية السودانية قرارها إلى ما اعتبرته "تجاوزات" ارتكبتها إيغاد "بإقحام الوضع في السودان ضمن جدول أعمال القمة الاستثنائية الثانية والأربعين لرؤساء دول وحكومات المنظمة في كمبالا، دون التشاور مع الحكومة السودانية".
وكانت "إيغاد" وجهت دعوة جديدة لطرفي الصراع في السودان للاجتماع وجها لوجه خلال أسبوعين، فضلا عن ترتيبات "في غضون شهر واحد"، لعقد "عملية سياسية نحو تشكيل حكومة ديمقراطية".
وكان مقررا عقد لقاء بين قائد الجيش البرهان وقائد قوات الدعم السريع "حميدتي" في جيبوتي أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكن الخارجية السودانية قالت إن نظيرتها الجيبوتية أبلغتها بتأجيل اللقاء لأسباب فنية.
وبعدما كان متوقعا لقاء الطرفين في القمة الاستثنائية لرؤساء "إيغاد"، الخميس الماضي، بكمبالا استبقت الخارجية السودانية القمة بقرار تجميد التعامل مع المنظمة، معللة ذلك لعدم تنفيذ مقررات القمة السابقة، كما احتجت على دعوة حميدتي.
ودعا البيان الختامي للقمة إلى لقاء بين طرفي النزاع خلال 14 يوما، وكذلك التنسيق مع الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي لحشد الدعم لعملية السلام بهدف حل النزاع في السودان.
ورحب رؤساء دول "إيغاد" بقرار مفوضية الاتحاد الأفريقي بتعيين أعضاء الفريق الرفيع المستوى المعني بالسودان، ودعوا الفريق إلى العمل بشكل وثيق وتعاوني مع المنظمة وأصحاب المصلحة الآخرين، في تيسير عملية السلام في السودان.
والأربعاء، أعلن الاتحاد الأفريقي عن تشكيل لجنة ثلاثية رفيعة المستوى، تضم محمد شمباس الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لمبادرة "إسكات البنادق"، وسيمبيوسا وانديرا نائب رئيس أوغندا الأسبق، وفرانسيسكو وانديرا الممثل الخاص السابق للاتحاد الأفريقي إلى الصومال، مهمتها العمل مع جميع الأطراف من أجل استعادة السلام والاستقرار في السودان.
وكان قائد الدعم السريع شارك في اجتماع مع قادة "إيغاد" بعد القمة، مؤكدا أنه "كان فرصة سانحة لنا لتقديم شرح مفصل حول أسباب نشوب الأزمة في السودان ورؤيتنا لوقف الحرب والتفاوض للوصول إلى سلام شامل ومستدام يعالج جذور الأزمة ويؤسس لبناء مستقبل أفضل لشعبنا، بما يجعل هذه الحرب آخر الحروب في بلادنا".
وقال حميدتي، في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إنه جدد خلال الاجتماع الرغبة الصادقة في تحقيق الأمن والاستقرار بالبلاد لرفع المعاناة الإنسانية عن الشعب.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يشهد السودان حربا بين الجيش و"الدعم السريع"، خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، فضلا عما يزيد على 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.