أزمة السودان.. ما دوافع التغييرات الوزارية ونتائجها المتوقعة؟
في خطوة مفاجئة، أجرى رئيس مجلس السيادة السوداني، عبدالفتاح البرهان، تغييرات وزارية، في ظل أوضاع سياسية وعسكرية بالغة التعقيد إثر الحرب.
ووفق بيانات منفصلة صادرة عن إعلام مجلس السيادة، فإن البرهان أصدر قرارًا باعتماد قرار مجلس الوزراء الانتقالي، والقاضي بإنهاء تكليف السفير، حسين عوض علي محمد، من مهام وزير الخارجية، واعتماد تكليف السفير علي يوسف أحمد الشريف بمهام الوزارة.
ويعد حسين عوض ثاني وزير خارجية يتم تغييره في 2024، إذ تم إنهاء تكليف وزير الخارجية الأسبق علي الصادق في أبريل/نيسان الماضي.
كما أصدر البرهان قرارا بإنهاء تكليف جراهام عبدالقادر، من مهام وزير الثقافة والإعلام، واعتماد تكليف خالد علي الإعيسر، بمهام الوزارة، وكذلك تكليف عمر أحمد محمد علي بانفير، بمهام وزير التجارة والتموين.
غياب مؤسسات الدولة
ويقول فائز الشيخ، مستشار رئيس الوزراء السابق إن "التغيير (الوزاري) لا يحمل أي جديد نسبة لغياب الدولة كمؤسسات وفاعلية ومهام، مشيرا إلى أنه من الواضح تأثير وفود الكتائب الإعلامية التي زارت بورتسودان مؤخرًا وقابلت البرهان، في تغيير الوزير المكلف السابق (بالإعلام) وتعيين وزير مكلف جديد.. فلم يكن الأمر مُفاجئًا لا المكلف الجديد ولا التغيير نفسه".
وأضاف الشيخ في حديثه لـ"العين الإخبارية"، "وجّه الكتاب الإسلاميون انتقادات مستمرة للأداء في جبهة الإعلام، ويبدو أن البرهان سينتقل من مرحلة الإعلام الهادئ إلى الإعلام الصوتي."
وتابع: "أتوقع أن يثير تعيين الإعيسر تصدعًا في جبهة الفلول (نظام الإخوان السابق) لأسباب تتعلق بطموحات البعض".
ومضى الشيخ قائلا: "الخارجية أيضًا يبدو أن تحركات تنسيقية للقوى المدنية (تقدم) وإحرازها عددًا من الأهداف خاصة في زيارة لندن دفعت البرهان للتغيير من قمة الهرم الوزاري."
قبل أن يستطرد: "أيضًا يبدو أن الاتهامات التي وجهها ياسر العطا لوزارة الخارجية والسفراء سرعت هذا القرار، وكذلك احتياج البرهان لرجل علاقات عامة وهي صفات تتوفر في الوزير الجديد، في وقت يعاني فيه القديم مشاكل صحية وحدة في التعامل مع مرؤوسيه."
واتهم عضو مجلس السيادة السوداني، مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، أعضاء في المجلس، بتوفير الحماية لعناصر تتبع لقوات "الدعم السريع"، وقوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم السابق)، وشدد على ضرورة إزاحتهم من مفاصل الدولة بالنقل أو الفصل والإبعاد.
ووفق العطا الذي كان يتحدث في خطاب بالعاصمة الخرطوم، الأحد، فإن هناك وجودا لقوى "الحرية والتغيير" في وزارة الخارجية وبنك السودان وديوان الضرائب والنيابة العامة، ما يعقد الانتصار ويعطل دولاب الدولة.
وقادت قوى الحرية والتغيير الثورة التي أنهت حكم الإخوان في السودان وشاركت في الحكم لسنوات قبل اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وكُلف العطا في سبتمبر/ أيلول 2023 بالإشراف على وزارات الدفاع والمالية وبنك السودان المركزي، والنيابة العامة وديوان المراجع العام.
الشيخ ختم حديثه قائلا "يمكن القول إن الهدف هو رفع الصوت الحربي وتحسين الصورة الدبلوماسية المهتزة، لكن لن يضيف التعديل شيئًا، لأن البرهان يريد أن يؤكد شرعيته بعدة طرق من ضمنها التعديلات الوزارية المتكررة."
تحسين الأداء
في المقابل، قال الكاتب والمحلل السياسي، خالد عبدالعزيز: "التعديل الوزاري يهدف باعتقادي، لتحسين الأداء خاصة في ملفات الدبلوماسية والإعلام"، مضيفا "الحكومة تواجه تحديات كبيرة بسبب الحرب في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية وحتى في مخاطبة السودانيين لتوفير الإسناد الشعبي."
وأضاف عبدالعزيز في حديثه لـ"العين الإخبارية": "الإجراء من الصعب أن يحقق أهدافه لأن الحرب صنعت واقعا معقدا وتحديات أكبر من إمكانات الحكومة، والوزارات المعنية والموجودة حاليا في بورتسودان تعاني من فقدان البنية التحتية بجانب نقص الكوادر البشرية، وشح الموارد المالية".
وتابع: "مفتاح الحل يبدأ بوقف الحرب ومعالجة كل المشاكل التي أفضت إلى إليها والسلبيات التي نتجت عنها".
قبل أن يقول "السودان يحتاج لإعادة تأسيس الدولة بمشاركة كل الأطراف السودانية السياسية والاجتماعية وبمناهج جديدة ورفض أي أجسام خارج مؤسسات الدولة."
"ذر الرماد في العيون"
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أحمد خليل: "التغييرات الوزارية التي أجرتها حكومة الأمر الواقع في بورتسودان أشبه بذر الرماد في العيون، ولا تسمن ولا تغني من جوع."
وأضاف خليل في حديثه لـ"العين الإخبارية": "في ظل هذا الظرف الحالي، أي تغيير وزاري لا يستند إلى أي شرعية أو واقع دستوري، ويعد استمرارا لسياسة الأمر الواقع."
وتابع، "بالتالي إذا افترضنا أن البرهان موجود كرئيس لمجلس السيادة على أي أساس هو موجود؟.. فاقد الشيء لا يعطيه، والتغييرات الوزارية نوع من الإلهاء، والبرهان يريد تطمين نفسه بأنه رئيس ويصدر القرارات، لأن مجلس الوزراء الموجود حاليا هو مجلس صوري وليس لديه أي قرارات أو سياسات أو رؤية أو برنامج."
وزاد، "الحكومة الحالية موجودة بشرعية قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 التي أطاحت بالحكومة المدنية، ولم يستطع البرهان منذ ذلك التاريخ، تشكيل حكومة كاملة، لكنه يحاول تعيين أشخاص في بعض الوزارات."
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 20 ألف قتيل وأكثر من 14 مليون نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.