«بأية حال عُدْتَ يا عيد».. «البارود» يقتل «آمال التهدئة» في السودان
لم يعد العيد كما عهده الصغار والكبار في السودان؛ وقت مودة وفرح، إذ لوث البارود الهواء، وحركت الطلقات النارية الرعب في نفوس المدنيين.
وفي أول أيام عيد الأضحى، الأحد، أفادت مصادر عسكرية "العين الإخبارية"، باندلاع معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.
ووفق المصادر العسكرية التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، فإن قوات "الدعم السريع" قصفت بالمدفعية الثقيلة أحياء مدينة "الثورة" و"كرري" مقر حكومة ولاية الخرطوم المؤقت، ما أدى إلى تصاعد ألسنة اللهب َوالدخان في سماء المنطقة.
كما أفاد شهود عيان "العين الإخبارية"، بأن القصف العشوائي، تسبب في إثارة الرعب في نفوس المدنيين.
وكانت حكومة الخرطوم، طلبت من المواطنين، في وقت سابق، أداء شعائر صلاة العيد داخل المساجد والأماكن المغلقة بسبب القصف العشوائي في المنطقة.
وتقول المواطنة، ابتسام الأمين، "كنا نأمل في عطلة عيد هادئة، ولكن الرصاص الطائش دخل إلى منزلنا، وأفسد فرحة عيدنا".
وأضافت الأمين في حديث لـ"العين الإخبارية"، "نتمنى أن تتوقف الحرب وتعود حياتنا الآمنة المطمئنة داخل بيوتنا".
تطورات الفاشر
إلى الغرب، حيث تعيش مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، أوضاعا أمنية بالغة التعقيد في ظل الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع".
ويقول المواطن أمير يوسف، إن المعارك المستمرة في الفاشر، "تسببت في نزوح الآلاف من منازلهم هربا من العنف والدمار":
وأوضح يوسف في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن المدينة "تعيش أوضاعا كارثية إثر إغلاق المستشفيات، وانقطاع خدمات الكهرباء والمياه".
وأضاف "الفاشر أصبحت ثكنة عسكرية ومدينة أشباح، ودخان المعارك يتصاعد في سماء المدينة".
بدوره، وصف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، المعارك التي تدور بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بمدينة الفاشر، بأنها "مصيرية لتحرير باقي دارفور".
واتهم مناوي، في كلمة بمناسبة عيد الأضحى، قوات الدعم السريع بـ"قتل الأطفال في دارفور".
ولم تعلق قوات الدعم السريع على الفور على هذه الاتهامات، غير أن الجيش والدعم السريع يتبادلان الاتهامات بارتكاب جرائم ضد المدنيين، منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل/نيسان 2023.
وتسعى قوات "الدعم السريع" للسيطرة على الفاشر لكونها آخر مدن إقليم دارفور غير الخاضعة لسيطرتها، بعد أن سيطرت نهاية العام الماضي على ولايات جنوب ووسط وغرب وشرق دارفور.
جبهة الشرق
ومع تصاعد وتيرة العنف، أفادت مصادر عسكرية "العين الإخبارية"، بأن قوات الجيش السوداني والحركات المسلحة الأخرى تصدت لهجوم من عناصر "الدعم السريع" على دفاعات الجيش بمنطقة "الخياري" الفاصلة بين ولايتي الجزيرة والقضارف شرقي السودان.
وتحاول قوات "الدعم السريع" التغلغل شرقا باقتحام منطقتي "الخياري" و"الفاو" وصولا إلى ولاية القضارف.
وفي خطاب بمناسبة عيد الأضحى، قال قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، "بلادنا تعيش ظروفا استثنائية بسبب الحرب التي أشعلتها الحركة الإسلامية، بمعاونة عناصرها في القوات المسلحة، وبسببها نعيش هذه الأوضاع، وتجرع شعبنا كل هذه المأساة والجراحات".
وأضاف، "نتألم جدا لأوضاع مواطنينا الأعزاء الذين يعيشون ظروفا قاسية وسنعمل ما بوسعنا على تخفيف معاناتهم وتحقيق تطلعاتهم في السلام والاستقرار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية".
وتابع، "وهنا نشدد على ضرورة فتح جميع الممرات الإنسانية لتوصيل المساعدات ونرفض كل الممارسات التي تقوم بها شلة بورتسودان (يقصد الجيش) التي تعاقب شعبنا في عدد من المناطق سياسيا بوضع عراقيل لوصول الإغاثات إلى المحتاجين، ما يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان".
من أفشل المفاوضات؟
كما اتهم قائد الدعم السريع، الجيش، بإفشال المفاوضات، وقال "الجيش وبأوامر من قادة الحركة الإسلامية الإرهابية هو الذي سحب وفده من جدة عندما تبين له أن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى اتفاق يعيد البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي ويخرجنا نحن العسكريين من السياسة".
وسبق وأن استضافت مدينة جدة السعودية، محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/ أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
ونجح منبر جدة في التوصل إلى أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات؛ ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
دقلو قال أيضا في خطابه، "شاركنا بجدية وصدق في مفاوضات المنامة ووقعنا فيها على اتفاق مبادئ بحضور دول كبرى، ولكن ممثل القوات المسلحة هو الذي تغيب عن الحضور قبل يوم من مناقشة اتفاق وقف العدائيات، رغم أن وفدنا وصل فعليا إلى المنامة".
وخلال الفترة من (6 -8) يناير/ كانون الثاني الماضي، أجرى كل من نائب القائد العام للجيش، الفريق أول شمس الدين كباشي، والقائد الثاني لقوات "الدعم السريع"، الفريق عبد الرحيم دقلو، مفاوضات في العاصمة البحرينية (المنامة)، انتهت بتوقيع اتفاق من 22 بندا.
ونص الاتفاق على تكوين جيش وطني مع "الدعم السريع"، والقبض على المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، وتفكيك نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد في العقود الثلاثة الماضية.
ولم يعلق الجيش على الفور، على اتهامات قائد الدعم السريع.
قلق دولي
على صعيد المواقف الدولية، أعرب توم بيريلو، المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، في تغريدة على منصة "إكس"، عن أمله "أن تلهم هذه الأيام المباركة أطراف الصراع في السودان لوقف إطلاق النار والانخراط في مفاوضات سلمية من أجل مستقبل الشعب السوداني".
وأعلن بيريلو، أن الولايات المتحدة ستقدم 315 مليون دولار مساعدات إنسانية حيوية، لدعم نحو 18 مليون لاجئ في السودان والدول المجاورة المتضررة من الصراع.
في السياق، قال فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن أنطونيو غوتيريش "لا يزال يشعر بقلق عميق إزاء القتال في الفاشر وما حولها وفي جميع أنحاء السودان".
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.