الحركة الشعبية والقتال.. هل صبت الزيت على نار السودان؟
مهلة تلحق أخرى، وفيما بينهما تشتعل المعارك في مناطق متفرقة من السودان، كٌل يحلم بحسم عسكري ينهي الصراع، لكن كرة الأزمة تتدحرج.
ومع نهاية مهلة استمرت 72 ساعة برعاية سعودية أمريكية، الأربعاء، علا صوت الرصاص في الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من السودان.
لكن الوضع كان مختلفا أو ملتبسا في الجنوب، وبالتحديد في ولاية جنوب كردفان، إذ أكد أحد السكان لـ"فرانس برس" أنه "في صباح الأربعاء سمعنا أصوات انفجارات وإطلاق نار كثيف وقذائف تسقط داخل الأحياء السكنية".
رواية مبهمة فٌسرت للوهلة الأولى بأنها اشتباكات بين الجيش والدعم السريع، بيد أن الجيش قال في بيان لاحق، سقوط قتلى وجرحى في صفوفه، بعد هجوم شنته "الحركة الشعبية لتحرير السودان" على موقع في مدينة الدلنج بولاية كردفان.
وتابع: "اللواء 54 مشاة كادقلي تعرض إلى هجوم غادر من الحركة الشعبية على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يجدد سنوياً مع حكومة الخرطوم".
وأضاف أن قواته تصدت للهجوم الذي فقدت فيه عددا من القتلى والجرحى، فيما كبدت المهاجمين خسائر كبيرة دون إحصائها.
فيما نقلت صحيفة سودان تربيون السودانية، عن تقارير صحفية، أن قوات الحركة تحاصر مدينة كادوقلي في جنوب كردفان بذريعة حماية المدنيين، فيما لم تتحدث الحركة أو الجيش السوداني عن هذا الأمر.
رد الحركة
بدورها، أصدرت الحركة الشعبية نفيا لعلاقتها بما حدث في مدينة الدلنج، لكنها في نفس الوقت فتحت الباب على مصراعيه للقفز في القتال الدائر في السودان منذ 15 أبريل/نيسان.
وقال رئيس الحركة الشعبية في مناطق سيطرة الحكومة محمد يوسف المصطفى، في تصريحات صحفية، "ليس لنا علاقة بالهجوم الذي شُن على مدينة الدلنج".
وأوضح أن "عدم مشاركة الحركة في اشتباكات الدلنج لا ينفي حقها في الرد على أي اعتداءات بحق منسوبيها، خاصة أن الجيش يُسيطر على مناطق جبال النوبة".
ومضى قائلا: "غير مستغرب على الجيش الشعبي -جناح الحركة المسلح- أن يحرر أي أرض من أراضي النوبة، بما فيها الدلنج".
شبح قديم
وتسيطر الحركة الشعبية على مناطق واسعة في ولاية جنوب كردفان تُطلق عليها المناطق المحررة، وتؤسس فيها حكما مدنيا تحت سيطرة قواتها بعد نزاع 2011.
ففي 6 يونيو/حزيران 2011، اندلع نزاع عسكري بين الحركة والجيش، قبل أن تجري الحكومة الانتقالية في السنوات القليلة الماضية محادثات مع قادة الحركة الشعبية دون أن تشهد تقدمًا، نتيجة خلافات حيال منح جنوب كردفان حق تقرير المصير واستحداث مؤسسات جديدة في الدولة.
والحركة الشعبية المقصودة في أحداث أمس هي نتائج عمليتي تفتت فيه الحركة الشعبية الأم، وبعد انفصال جنوب السودان بموجب اتفاقية السلام الشامل عام 2011 انقسمت الحركة لجناحين، واحد في الجنوب الذي أصبح دولة مستقلة، والآخر في جنوب كردفان بقيادة عبدالعزيز الحلو.
وفي 2017 انشق الحلو وأغلب مقاتليه عن "الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، فصيل مالك عقار"، وبات يقود من جبال النوبة جنوبي كردفان أكبر فصيل متمرد في المنطقة.
ويتخوف مراقبون أن تقود الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع إلى تأجيج دعوات الانفصال بعد تمددها في مناطق واسعة في كردفان ودارفور، في سيناريو كارثي للسودان.
أوضاع كارثية
وحتى الآن، أوقعت المعارك الدائرة بين الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتّاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان حميدتي أكثر من ألفي قتيل، وفقاً لتقديرات يرى خبراء أنّها أقلّ بكثير من الواقع.
وفي الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور في غرب البلاد، والمدينة الأكثر تضرراً من الاشتباكات، تمتلئ الشوارع المهجورة بالجثث فيما تعرضت المتاجر للنهب.
وحذّرت الأمم المتّحدة والاتّحاد الأفريقي ومنظمة التنمية في شرق أفريقيا "إيغاد" من أنّ النزاع "اكتسب الآن بُعدا عرقيا"، وتحدّثت عن احتمال وقوع "جرائم ضدّ الإنسانية" في دارفور.
فيما أكدت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، خروج نحو ثلثي مرافق الرعاية الصحية في مناطق القتال في السودان من الخدمة.
كما أفادت المنظمة بأن حوالي 11 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة صحية، مبدية قلقها بشأن محاولات السيطرة على أوبئة الحصبة والملاريا وحمى الضنك المستمرة.
وفي مختلف أنحاء السودان، بلغ عدد النازحين "مليوني شخص"، وفقاً للمفوضية العليا للاجئين، كما أحصت المنظمة الدولية للهجرة نحو 600 ألف شخص فرّوا إلى الدول المجاورة.
وكان المجتمع الدولي تعهّد خلال اجتماع عقد في جنيف الإثنين الماضي، بتقديم 1,5 مليار دولار من المساعدات، وهو نصف ما تحتاجه المنظمات الإنسانية وفقاً لتقديراتها الميدانية.
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjIzMyA= جزيرة ام اند امز