«أم المعارك» تحتدم في السودان.. لمن الخرطوم اليوم؟

العاصمة هي البوابة الرئيسية للسلطة في أي دولة؛ بها تكتمل حدود الحكم حتى وإن لم تكتمل حدود السيطرة، ويحظى المسيطر عليها بدفعة كبيرة في أي صراع.
هذه القاعدة تمتد عبر التاريخ والجغرافيا، لتحكم كثيرا من الصراعات والتقلبات في الدول المختلفة، والسودان الذي تشهد عاصمته صراعا كبيرا في الوقت الحالي، ليس استثناء.
وتشهد العاصمة السودانية، معارك شرسة، إثر القتال العنيف بالأسلحة الثقيلة والخفيفة بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة وتدمير للبنى التحتية والمنشآت الحيوية.
وقالت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، اليوم الثلاثاء، إن المعارك ما زالت تحتدم في محيط مقر القيادة العامة للجيش والقصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وحسب المصادر العسكرية، فإن قوات "الدعم السريع" نصبت كمائن لعناصر الجيش السوداني وسط الخرطوم، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
المصادر مضت قائلة إن عناصر القنص التابعين للدعم السريع والمنتشرين في أعلى البنايات وسط الخرطوم، يعوقون تقدم قوات الجيش السوداني والوصول إلى المناطق الحيوية والاستراتيجية.
يأتي ذلك بعد 3 أيام من تهديد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بتصعيد جديد في المعارك، وتأكيده أن قواته لن تنسحب من القصر الرئاسي ومن العاصمة الخرطوم
في المقابل، أعلن الجيش السوداني، مساء أمس الإثنين، التحام قوات سلاح المدرعات مع قوات القيادة العامة، وهو ما يعني رسميًا إنهاء وجود قوات "الدعم السريع" في الجزء الغربي من القيادة العامة.
وأوضحت المصادر العسكرية لـ"العين الإخبارية"، أن قوات "سلاح المدرعات" أطلقت خلال الساعات الماضية عملية عسكرية واسعة مكّنتها من الانفتاح شمالًا وشرقًا، والسيطرة على مناطق واسعة من أحياء الخرطوم 2 و3، علاوة على جسر "المسلمية" وأبراج "النيلين" ذات الموقع الاستراتيجي، والتي كانت قوات الدعم السريع تتخذها موقعًا للقناصة المدربة.
فيما بثّت منصات تابعة للجيش السوداني مقاطع فيديو أظهرت لحظة التقاء الجنود القادمين من أقصى جنوب الخرطوم مع المقاتلين الموجودين في مقر الجيش الرئيسي شرقي العاصمة.
أزمة إنسانية
إنسانيا، قالت غرفة طوارئ محلية الخرطوم (نشطاء) في بيان، إن "الأسبوع الماضي شهد مقتل 50 مواطنًا، منهم 10 متطوعين على الأقل، واختطاف واعتقال 70 مدنيًا، يُضاف إليهم 12 متطوعًا."
وأفادت غرفة طوارئ محلية الخرطوم، بتزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال وكبار السن والحوامل، مما أدى إلى وفاة 7 أطفال منذ مطلع مارس/آذار الجاري.
وأشارت إلى أن الوضع الصحي والبيئي يشهد تدهورًا في ظل انتشار الأمراض، وانعدام الأدوية، وتوقف عمل العيادات والمراكز والمستشفيات، بالإضافة إلى استهداف الكوادر الصحية المتطوعة.
معركة طويلة
وبحسب الخبير الأمني، فخر الدين يوسف، فإن معركة الخرطوم ستكون طويلة الأجل نظرا للتعقيدات المعروفة لحرب المدن وصعوبة الحركة وتوصيل الإمداد العسكري والغذائي.
وأوضح يوسف لـ"العين الإخبارية"، أن سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني ظل معزولًا عن بقية الفرق العسكرية في الخرطوم منذ بدء القتال قبل نحو 23 شهراً، باستثناء منفذ وحيد عبر النيل كان يُستغل لإرسال الإمداد الغذائي والدوائي.
وأكد الخبير الأمني، أن التحام قوات القيادة العامة مع جنود قوات سلاح المدرعات سيتيح إمكانية وصول تعزيزات عسكرية ويسهل عملية الانفتاح جنوبًا نحو منطقة جنوب الخرطوم، وتحديدا مجمع اليرموك، ومعسكر الاحتياطي المركزي، ومعسكر طيبة وصولًا إلى جبل الأولياء، كما يتيح بدوره الانفتاح نحو المطار.
وأشار إلى أن التطورات الميدانية الأخيرة، تعني إحكام الحصار على القصر الجمهوري ومقر الاستراتيجية وبعض المواقع المهمة بوسط الخرطوم، والتي لا تزال في قبضة "الدعم السريع".
تعزيزات
لكن هذا لا يعني أن المعركة ستسير في اتجاه واحد، إذ عاد الخبير الأمني، وقال إن قوات "الدعم السريع"، أدخلت أسلحة نوعية ومسيرات استراتيجية لحماية القصر الرئاسي وبقية المواقع الأمنية والعسكرية التي تسيطر عليها منذ بداية الحرب، ما يصعب المعارك.
وكانت الدعم السريع قد فرضت منذ الأشهر الأولى لبدء النزاع المسلح في 15 أبريل/نيسان 2023، حصارًا على مقر سلاح المدرعات، حيث قادت معارك ضارية هدفت إلى السيطرة على هذا المقر الاستراتيجي دون جدوى.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تمكن جنود "سلاح المدرعات" من الانفتاح شمالًا والوصول حتى جسر الحرية بوسط الخرطوم، بعد معارك عنيفة ضد عناصر الدعم السريع، التي أٌجبرت على التراجع نحو القصر الرئاسي وبعض مقرات المؤسسات الحكومية وجزيرة توتي.
وما زالت قوات "الدعم السريع"، تسيطر على مواقع استراتيجية بالعاصمة الخرطوم، أبرزها، "القصر الرئاسي"، و"مطار الخرطوم"، و"بنك السودان المركزي"، و"برج شركة زين للاتصالات"، و"برج الفاتح"، ومبنى "رئاسة الوزراء"، ومنطقة "السوق العربي"، و"أرض المعسكرات سوبا"، و"المدينة الرياضية"، ومعسكر "الدفاع الجوي".
كما تسيطر على مقر "الاحتياطي المركزي"، ومعسكر "طيبة"، ومقر "جهاز الأمن والمخابرات"، ومباني "فرع الرياضة العسكري"، ومباني "معهد الاستخبارات العسكرية"، وأكاديمية "الأمن العليا"، وإدارة "العمليات الخاصة"، ومقر "الشرطة العسكرية"، و"وزارة الداخلية"، ووزارة "الخارجية".
ويخوض الجيش السوداني، و"الدعم السريع" منذ منتصف شهر أبريل/نيسان 2023، حربًا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 14 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلة بنحو 130 ألفًا.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع ملايين الأشخاص إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.
aXA6IDE4LjExNi4xMTIuMTY0IA== جزيرة ام اند امز