صحف السودان تحتضر.. أزمة الاقتصاد تفتك بصاحبة الجلالة
لم تهنأ الصحف الورقية في السودان بالحريات التي وفرتها الأجواء الديمقراطية عقب التغيير السياسي في البلاد وعزل نظام المخلوع عمر البشير.
فبعد مضي فترة وجيزة على وداعها سنوات من القمع والتضييق، اصطدمت الصحف السودانية بالأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، لتتساقط واحدة تلو الأخرى، في مشاهد أثارت قلق المهتمين بصاحبة الجلالة.
ووفق إحصاءات شبكة الصحفيين السودانيين، "جماعة ضغط مستقلة"، جرى إغلاق 6 صحف ورقية منذ مطلع العام وترتب على ذلك تشريد مئات العاملين في تلك المؤسسات.
ويشير عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين، محمد الفاتح همت "نيالا"، إلى أن جميع هذه الصحف توقفت لسبب محوري مشترك، وهو تدهور الوضع الاقتصادي وعجز هذه المؤسسات عن الوفاء بتكاليف التشغيل.
وقال نيالا لـ"العين الإخبارية" إنهم أحصوا تشريد نحو 80 صحفيا كانوا يعملون في 3 من الصحف التي توقفت، ويجرى حصر المتضررين في بقية المؤسسات، وقد يصل العدد إلى المئات بما في ذلك العاملين الآخرين غير الصحفيين.
والصحف التي توقفت هي: المجهر السياسي، آخر لحظة، الأخبار، الري العام، المستقلة، مصادر، بينما تمكنت صحيفة "الحداثة" الورقية من معاودة الصدور مجددا بعد أن توقفت لعدة أشهر.
وشدد عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين على أن الوضع الماثل ينذر بخطر كبير يحدق بالصحافة الورقية في بلاده وقد يوقف مسيرتها الممتدة لأكثر من قرن، الأمر الذي يستوجب على الجميع التحرك لإنقاذ الموقف.
ورأى بأن المدخل السليم لتدارك هذه الأزمة، هو إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية وتحويلها لشركات مساهمة عامة، لأن الصحف القائمة حاليا مبنية على عقلية النظام البائد، إذ يملكها أفراد لا يهتمون بالصحفيين من حيث الأجور والتدريب.
وقال إنهم لا يشجعون تدخل الدولة لإنقاذ الصحف الورقية عن طريق إعفاءات ضريبية وجمركية وتخصيص الإعلانات، قبل إعادة هيكلة تلك المؤسسات.
لكن الصحفي السوداني علي الدالي يرى أن مسارعة الحكومة في تقديم إعانات غير مباشرة للصحف بمدخلات إنتاج وإعلانات، ربما يخرج الصحافة الورقية من أزمتها ويحافظ على أهم وسيلة لتعزيز الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان.
وقال الدالي إن الصحافة السودانية لعبت أدوارا وطنية تاريخية، "ومن المؤسف أن تترك لتموت في زمن الحريات والديمقراطية، وخاصة أن البلاد أحوج ما تكون إليها في الوقت الراهن".
وأضاف أن انحدار الصحف يعود بالأساس إلى أزمة الاقتصاد، والتي صادفت أيضا جائحة كورونا والتي أجبرت المؤسسات الصحفية على التوقف لعدة أشهر، الشيء الذي فاقم وضعها المالي.
ونبه إلى تراجع كبير في توزيع الصحف، لضعف المنتوج الصحفي بسبب تدني رواتب الصحفيين وعدم تدريبهم بصورة مستمرة، مما جعل الجمهور ينفر من الجرائد ويلجأ لوسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى علي الدالي أن الحكومة يمكن أن تساعد في خلق فرص تدريب للصحفيين داخليا وخارجيا وتزيد نسبة الاشتراكات لإنعاش التوزيع، وتفعيل الإعلانات الحكومية، فهذا يمكن أن يحدث التوازن ويبقي الصحف الورقية على قيد الحياة لعقود قادمة.
وبالرغم من الصورة الظلامية، يقطع سكرتير تحرير صحيفة "الأهرام اليوم" السودانية، عثمان أحمد، باستحالة انقراض الصحافة الورقية في بلاده، فإذا توقفت واحدة تخرج إصدارات جديدة لملء الفراغ، وهذا ما حدث بالفعل خلال الأشهر الماضية.
وقال عثمان إن غالبية الصحف في السودان قائمة على فكرة تجارية، فكلما توقفت واحدة بسبب الإفلاس يظهر تاجر آخر بإمكانات أفضل يصدر جريدة ورقية.
وأضاف "رغم ذلك كان للصحافة الورقية بالسودان دور ريادي في الحركة الوطنية وسيظل، رغم المصاعب الاقتصادية التي تواجهها الآن".
ويواجه السودان أزمة اقتصادية طاحنة تجلت في ارتفاع معدل التضخم لأكثر من 229% وتراجع قيمة العملة الوطنية الجنيه، فضلا عن غلاء فاحش في أسعار كل السلع والخدمات.