نائب البرهان في موسكو.. طلب للسلاح أم تمهيد للقاعدة الروسية؟
وكباشي في الساحل الأفريقي.. الدعم السياسي لا يغني عن الإنجاز العسكري
دفع عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني بقياداته إلى جولة دبلوماسية في روسيا وغرب أفريقيا، تؤشر على ما يبدو إلى تصميمه على مواصلة الحرب.
فشمالا، وصل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، الإثنين الماضي، إلى موسكو في زيارة رسمية تستغرق عدة أيام للمشاركة في المنتدى الاقتصادي الدولي، وعقد لقاء منفصلا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وغداة رحلة عقار، طار نائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين كباشي ووزير الدفاع يس إبراهيم، غربا إلى النيجر ومالي.
وبينما تحتدم المعارك على الجبهات في السودان يسعى البرهان -بحسب خبراء تحدثت معهم "العين الإخبارية"- لتأسيس وضع يتيح له ضمان تدفق السلاح لقواته، وحرمان خصمه الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) من دعم محتمل.
عين على السلاح الروسي
لكن سواء في الشمال أو الغرب تبدو الخيوط جميعها بقبضة بوتين الساعي لإعادة تموضعه مجدداً في السودان في ظل ظرف مواتٍ.
ونهاية أبريل/نيسان الماضي، زار المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف بورتسودان المدينة الساحلية التي تتخذها حكومة البرهان مقرا للحكم، معلنا تأييد بلاده للبرهان، ليفتح الباب أمام طموح موسكو في بناء قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، طالما كانت على طاولة المباحثات الروسية السودانية.
ووفق محمد الغزالي سراج، السفير السوداني بموسكو لـ"العين الإخبارية"، فإن "رغبة روسيا في تطوير علاقتها مع أفريقيا تأتي من خلال موجهات عمل سياستها الخارجية التي ترفض التدخل في الشؤون الداخلية، وتنادي بمبدأ السيادة المتساوية بين الدول، وإلى إقامة علاقات قائمة على المصلحة والمنفعة المشتركة".
وركز السراج على الطابع الاقتصادي للزيارة، موضحا أن "عقار سيتناول (خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي الدولي) رؤية السودان كدولة مهمة في أفريقيا والعلاقات مع الجانب الروسي"، مؤكدا أن "المنتدى يمثل نقطة بداية مهمة جدا للفت انتباه القطاع الاقتصادي ورجال الأعمال والشركات للفرص الواعدة في المساهمة في إعمار السودان".
ولم يرغب السفير السوداني بموسكو في الحديث عن مركز الدعم الفني لروسيا على البحر الأحمر، إلا أنه أكد قبل يومين في حواره مع وكالة "سبوتنيك" أن السودان لن يتخلى عن التزامه بإنشاء قاعدة روسية بحرية في البحر الأحمر، وأنه سيتم تنفيذ المشروع.
من جانبه، اعتبر رئيس تحرير صحيفة "التيار" السودانية، عثمان ميرغني، أن ملف القاعدة الروسية على البحر الأحمر به تهويل كبير، وقال إنها مجرد محطة للتزويد بالوقود والاستراحة تشمل 4 سفن و300 جندي روسي فقط، وإن خدمات هذه المحطة محدودة.
لكنه أكد في الوقت نفسه أنها تعتبر موطئ قدم لروسيا على البحر الأحمر، وأنها في النهاية علاقة مباشرة مع روسيا في موقع استراتيجي، وقال إن عقار سيسعى لإنهاء تجميد الاتفاق مع روسيا حول هذه المحطة التي تم التوقيع عليها أواخر عهد نظام عمر البشير، في مقابل الحصول على صفقات سلاح.
من جهته، قرأ الكاتب والمحلل السياسي السوداني، الطاهر أبوبكر، الزيارة في إطار حاجة البرهان حاليا إلى أسلحة وذخائر لمواجهة متطلبات الحرب التي يخوضها ضد قوات "الدعم السريع"، ورغبة روسيا في الحصول على مركز دعم فني ولوجستي عسكري على ساحل البحر الأحمر.
مالي والنيجر
وتتزامن زيارة موسكو مع رحلة نائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين كباشي ووزير الدفاع يس إبراهيم، الثلاثاء، إلى النيجر ومالي.
ووفق بيان صادر عن مجلس السيادة السوداني، اطلعت عليه "العين الإخبارية"، فإن المسؤولين سيجريان خلال الزيارة إلى النيجر ومالي الواقعتين في غرب أفريقيا مباحثات مع قادة تلك الدول تتناول مسار العلاقات الثنائية بين بلديهما والسودان وسبل تعزيزها.
ووفق البيان، فإن الجولة ستبحث أيضا تطورات الحرب الدائرة الآن وتأثيرها على المحيطين الإقليمي والدولي.
وتتزامن جولة كباشي ووزير الدفاع مع جولة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الكونغو برازافيل وتشاد، في إطار تعزيز وجود موسكو في أفريقيا.
وتأتي زيارة كباشي لكل من مالي والنيجر بعد تصريحات مسؤولين سودانيين بأن فرنسا تهدف إلى جمع "عرب الشتات" من غرب أفريقيا وتوطينهم في دارفور، وأن الحرب الدائرة بالبلاد الآن هي بداية هذا المخطط، وربط خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" بين زيارة كباشي وهذه الفكرة، موضحين أن الوفد الأمني سوف يناقش في باماكو ونيامي هذا الموضوع، ولم يستبعدوا تنسيقا روسيا لهذه المباحثات السودانية مع دول غرب أفريقيا.
وأضاف: "سياسيا يبدو أن التحرك السوداني تجاه تلك الدول جاء بعد التفاهمات الروسية الإيرانية مع الحكومة السودانية، ما يصب في تضييق الخناق على مشاريع دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا في منطقة دول الساحل الأفريقي لحساب دول تحالف المعسكر الشرقي".
لكن عثمان ميرغني استبعد أن يكون هدف زيارة كباشي لغرب أفريقيا هو منع توافد عرب الشتات.
وقال ميرغني لـ"العين الإخبارية": "لا أظن أن يكون هذا الموضوع هو الملف الرئيسي في الزيارة، إن هذا الموضوع بعض أوهام عند السودانيين.. ليست هناك دلائل واضحة عليه، وأعتقد أن المسلحين ربما يتحركون دون علم من بلدانهم".
وأوضح أن زيارة كباشي لغرب أفريقيا تأتي في إطار الترتيبات السياسية من جانب روسيا حول ملف السودان بالمنطقة، وأن هذه الترتيبات تأتي في إطار الحرب الباردة من البوابة الأفريقية، منوها بأن روسيا يمكن أن تضمن التزام حكومات مالي والنيجر بعدم توافد المقاتلين للحرب في السودان، وأن محادثات كباشي وحدها لن تحقق هذا الالتزام.
في المقابل، أكد خالد التجاني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني، أن زيارة كباشي لكل من مالي والنيجر لها صلة كبيرة بتوافد المقاتلين الذين يشاركون في الحرب في السودان.
وقال التجاني لـ"العين الإخبارية"، إن الأهداف الأخرى للزيارة تتعلق بطبيعة الأنظمة العسكرية الخارجة عن السيطرة الفرنسية في المنطقة، وكذلك تمدد النفوذ الروسي في الساحل الأفريقي، لافتا إلى أن التقارب بين السودان وهذه الدول سيأتي بتنسيق روسي، لافتا إلى إشارة المسؤولين السودانيين للدور الفرنسي في الحرب بالسودان، وقال إن من أسباب الزيارة أيضا هو الاعتماد على انحسار النفوذ الفرنسي في مقابل تمدد الروسي بالمنطقة.