الأوطان لا يحترمها دعاة الضلال والإرهاب، ولا يهمهم أن ينتموا إليها، فلا يعترفون بغير الانتماء للوصايا والأفكار التي تركها لهم مرشدهم
حينما يتعلق الأمر بالأوطان فالميكيافيلية السياسية تصبح أسلوبا غير مرحب به؛ لأنه يستبعد المبادئ ويتنافى مع البراغماتية أو العلمانية، فأن تكون براغماتيا يعني أن يكون تحقيق هدفك المنشود هو معيار نجاح العمل، ولكن دون الإضرار بأي من جوانب ذلك العمل في طريقة الوصول لذلك الهدف، وهو مبدأ تعتمده الدول في تطبيقها لمبدأ المصالح والمصالح المشتركة، خاصة حين تكون تلك الدول مرتبطة ببعضها بمصائر مشتركة، فتستبعد المكيافيلية السياسية التي تعتمد الأنانية ولا تمانع الإضرار بأي من مراحل وجوانب أي عمل أو نشاط أو موقف لتحقيق الغاية بأي وسيلة.
أنا أدعو من هذا المنبر إلى استمرار القنوات الإخبارية العالمية في التغطية وتعويض المواطن السوداني ما فاته بسبب ما فعله النظام السابق، كما أدعو إلى تفعيل منظومة الإعلام السوداني ليلعب دوره الوطني ويكون حائط الصد الأول لكل متربص بوعي شباب هذا البلد.. آمل أن تكون الرسالة قد وصلت، فالموضوع خطير
الأوطان لا يحترمها دعاة الضلال والإرهاب، ولا يهمهم أن ينتموا إلى أي منها، لا يعترفون بغير الانتماء للوصايا والأفكار التي تركها لهم مرشدهم، لذلك فهم مكيافيليون حتى النخاع، ولذلك فإن من يقودوا بعض الدول بمبدأ المكيافيلية ستجد أن ولاءهم ليس لبلدهم ولا للغتهم ولا لقوميتهم ولا لدينهم، بل لمعتقدهم والفكر الذي يؤمنون به، لا يمكن أن يكونوا وطنيين بأي حال.
أنا لا أعتقد أن المندفعين مع تصاعد أحداث حراك السودان تعمدوا اعتماد هذا النهج، إلى درجة دفعتهم بعيداً عن التركيز على أهداف وأجندة كل مؤسسة أو وسيلة إعلامية غطت الأحداث، وقد يكون منهم من ظهر بدافع تبيان الحقيقة حول الملف الذي طلب منهم الظهور لتفسيره والإدلاء بالرأي فيه لجمهور تلك القناة، ولكن قد يبدو الأمر منطقياً في حال كان المتحدث غير متخصص في كذلك مجال الصحافة والإعلام والتحليل السياسي، وهم قليلون كشهود العيان الذين يُلجأ إليهم في بعض الأحوال.
لكنني لا أفهم كيف يبرر المتخصصون والذي يعرفون خبايا الأمور ودهاليز السياسة، خاصة من يعرف الكثير عن جماعة الإخوان المتأسلمين وفروعهم، ويعرف ما فعلوه ويفعلونه ومع ذلك لا يمانع المشاركة في منصاتهم الإعلامية.
من وجّه نفسه وفضّل فيها الظهور على هذه المنصات من أجل توعية جمهور هذه القناة، وفضل ظهوره على ظهور المتخصصين خوفاً من عدم ظهور الصورة الكاملة، فقد فوت الكثير من الجوانب المهمة التي لم ينتبه إليها.
من هنا، فإني أؤكد لهذه الفئة أن هذه المنصات تعرف هدفها جيداً من وراء إظهارهم في هذه البرامج وفتح الأبواب للمناهضة؛ حيث إنها تعرف جيداً الكيفية التي تخفي مصالحها ودوافعها الميكيافيلية التي ستتقاطع مع دوافعكم البراغماتية بشكل تلقائي وستسقطهم في فخاخ مكيافيليتهم، ستتمكنون من إكمال المسير نحو أهدافكم لكنكم لن تكملوا الطريق بذات المصداقية، حيث إنكم ستظهرون ضعفاء مهما كان وعيكم، ولن يؤثر فيهم صدقك ونبلك تجاه أهدافك لهذا الجمهور، ثم إنكم ستفقدون كثيرا من جمهوركم الذي سيتابعكم في أي منصة تظهرون عبرها؛ حيث إن موافقتكم على الظهور في شاشة ما تعني عندهم بالضرورة موافقتكم ضمنيا على كل ما يرد فيها.
إن كنتم لا تعرفون.. فإن الإخوان المتأسلمين يجندون ويحشدون عبر استضافتكم ليدعوا الاتزان، وهم بذلك إنما يدسون (العسل في السم) ليكسبوا مزيدا من مشاهدات اليوتيوب عبر جمهوركم، وبذلك يكسبون كثيرا من الدولارات والتعليقات من جمهور جديد.
أنتم في المقابل -وأعني الإخوة المتخصصين السودانيين وبعض الأشقاء أيضا الذين تتم استضافتهم على قنوات الهرطقة والترويج للإرهاب- فإنكم وللأسف الشديد تخسرون كثيرا جدا من مصداقيتكم أمام جمهوركم؛ حيث سيرى البعض منهم هذا الظهور المريب نوعا من الازدواجية في المعايير، وستختلط الأمور على البعض الآخر بسبب عدم إدراكه خفايا السياسة ومراميها ويبتلع الطعم، وستكون بعض تأويلات ذلك الظهور عدم ممانعتكم تحقيق أهداف تلك القنوات في حشد مزيد من المشاهدين وتجنيدهم؛ لأن الجميع يعرف أن أي استضافة في أي قناة تقوم على إيصال رؤية المؤسسة الإعلامية وسياستها للجمهور المستهدف خاصة في حال إفساح المجال دون مقاطعة أو إظهار للضيف بشكل لا يخدم غرضه من الظهور.
وحين تكون تلك المؤسسات مريبة وتتلقى تمويلها من قطر وبعضها تبث من لندن ومن "تركيا أردوغان" فالأمر جليّ، فتركيا أردوغان لا تسمح لقنوات تهاجم الإخوان بأن تبث من أراضيها.
هذا ليس أسوأ ما في الأمر، بل يكمن ذلك في الجمهور المتابع الذي يلاحق هؤلاء الأفراد ويتابعهم عبر القنوات، والذي بدأ بالإشادة بالقناة وكل من ظهر عليها، وأعرب عن امتنانه لوقوف أولئك المارقين مع السودانيين في حراكهم، لذلك فلن ينسى لهم هذا الجميل.
أما بالنسبة لأولئك الذين يزعمون من قلة التغطيات الإخبارية للوضع في السودان، فهذه حقيقة مغلوطة، إذ كانت الكثير من القوات الإخبارية الرصينة تعاني من أجل إيجاد متحدثين لها منذ اليوم الأول للحراك في ديسمبر، فكانت تدور في فلك عدد محدود من الأسماء المقيمة خارج السودان، ولم يكن يهدأ هاتفي من الاتصالات التي تطلب ترشيح متحدثين.
لا يحتاج جمهوركم لأن تطلوا عليه عبر تلك المنصات الإرهابية، فهو حين يتابعكم فإنه يتابعكم لأجلكم أنتم، ثم ينصرف تلقائياً لتسجيل شكر لمستضيفكم بحجة وقوفه مع الشعب السوداني، وهذا من شيم أهل السودان، لكنهم لا يدركون أنهم بذلك يرتكبون بحسن نية جريمة كبيرة بتلميعهم صورة مؤيدي وصانعي الدواعش والخوارج.
تلك القنوات الرخيصة تأسست لخدمة أغراض محددة وهي صناعة رأي عام مصري مسمم وتغذيته على مدار الدقيقة؛ لزعزعة وضرب استقرار المجتمع المصري فحسب، وتتلقى تمويلها على هذا الأساس، ولم تخالف تلك القنوات شروط مموليها إلا بعد أن حدث لهم سقوط مدو، وأغلقت قنواتهم بسبب توقف التمويل من أولياء نعمتهم (في قطر للأسف الشديد) لأنهم ما عادوا يحققون لهم أهدافا اتُفق على تحقيقها مسبقا وفشلوا في أهمها وهي النيل من استقرار مصر.
لم يجدوا من يتابع شتائمهم لبلدهم الأم سوى المغرر بهم ومسلوبي العقل وصغار السن والبسطاء في أرياف مصر الحبيبة، فقفزوا إلى جمهور الدولة المجاورة وباتوا يعقدون المقارنات بين ما أحدثوه في مصر من خراب ودمار منذ أن اختطفوا ثورته، معتبرين ذلك إنجازا، وبين حراك الشارع السوداني النظيف الذي خرج على حلفائهم الذين كانوا مواليهم في التنظيم الدولي للإخوان المتأسلمين.
وهناك اثنان من الأدلة على أن الحراك السوداني كان نظيفاً من أوساخ الأيديولوجيا العَقَدية: أولا السلمية التي تمسك بها منذ موجة الانتفاضة الأولى في 2013 على نظام "الإنقاذ" القمعي الفاسد الذي أزهق أرواح قرابة 400 شخص حتى الأمس القريب، بعكس ما فعله إخوان مصر حيث الرشاشات والمسدسات التي مكنتهم من احتلال أحياء والتنكيل بأهاليها وإذلالهم لأيام طويلة، فضلا عن استهدافهم الممنهج والمستمر لشخصيات الدولة المصرية ومؤسساتها الأمنية التي قررت أن تضربهم بيد من حديد بعد أن ألحقوا الأذى بشعب مصر وسمعتها.
وثانيا: بعدم معرفتهم معظم الأفراد الذين تحدثوا عبر هذه المنصة بأجندة تلك القنوات ولا خطها الفكري ولا أهدافها ومموليها، بل إن منهم من قال إنه لم يكن يتابع شيئا من السياسة الدولية لأن منظومة الإعلام السودانية لم تكن تقدم شيئا عنها، وبدأت متابعتهم مع اندلاع الانتفاضة وكان أولئك الخوارج الأكثر اهتماما بالسودان وأهله!
وهنا لا بد من توجيه رسالة شكر للقنوات الإخبارية وغير الاخبارية العربية والناطقة بالعربية لمواكبتها مجريات الأحداث في السودان، وأنا أدعو من هذا المنبر إلى استمرار القنوات الإخبارية العالمية في التغطية وتعويض المواطن السوداني ما فاته بسبب ما فعله النظام السابق، كما أدعوا إلى تفعيل منظومة الإعلام السوداني ليلعب دوره الوطني ويكون حائط الصد الأول لكل متربص بوعي شباب هذا البلد، آمل أن تكون الرسالة قد وصلت، فالموضوع خطير، والغاية لا تبرر الوسيلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة