السودان.. طوفان الحرب يصل إلى «النيل الأزرق»
بمعدلات متسارعة ترتفع وتيرة الحرب في السودان، التي يفتك بأرواح الأبرياء، وخلفت مجاعة لا تبقي ولا تذر، ومزقت شرايين المدن والبنية التحتية في البلاد.
وأفادت مصادر عسكرية باندلاع اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني، وقوات "الدعم السريع"، ليل السبت، بمنطقة "قُولي" التابعة لمحلية التضامن بولاية النيل الأزرق، بالأسلحة الثقيلة والخفيفة.
وللمرة الأولى تتمدد الحرب إلى ولاية النيل الأزرق أقصى جنوب شرقي البلاد على الحدود مع إثيوبيا.
ووفق المصادر، فإن الاشتباكات العنيفة، تسببت في موجة نزوح كبيرة للمواطنين من منازلهم هربا من العنف والقتال.
وأبلغ ناشطون "العين الإخبارية"، أن قوات "الدعم السريع" ارتكبت انتهاكات واسعة ضد المدنيين في عدد من قرى ولاية النيل الأزرق.
وعادة ما تنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات.
وأعلن الجيش السوداني، تصديه هجوم عنيف على منطقة "قلي" في أولى المواجهات بين القوتين المتصارعتين في ولاية النيل الأزرق.
وقال الجيش السوداني في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، إنه قتل العشرات من عناصر "الدعم السريع"، ودمر مركبات قتالية، كما نشر الجيش السوداني، مقطع فيديو لعناصره وهم يستولون على مركبات قتالية وأسلحة وذخائر.
لكن المتحدث باسم قوات "الدعم السريع" قال في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية" أن قواته تمكنت من السيطرة الكاملة على محلية "التضامن"، وأرفق مقطع فيديو لمجموعة من الجنود داخل المواقع العسكرية في المنطقة.
بينما ذكر بيان صادر عن لجان مقاومة مدينة "الدمازين" (نشطاء)، إن قوة من "الدعم السريع" تسللت إلى داخل إقليم النيل الأزرق عبر المنطقة الغربية المتاخمة لولاية سنار عن طريق محلية الدالي والمزموم.
وأشار البيان الذي اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن القوة المتسللة وصلت إلى منطقتي "جريوة" و"قلي" بمحلية التضامن، وقامت بعمليات قتل ونهب في منطقة "جريوة" الخالية من أي وجود للجيش، واستمرت في التوغل حتى وصلت منطقة قلي، حيث اشتبكت معها قوة الجيش المتواجدة هناك وتم صد الهجوم.
وكشف البيان عن سقوط أعداد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، يجري حصرهم، ونزوح المئات من مناطقهم خوفا من الموت والدمار.
ويعاني إقليم النيل الأزرق، الذي استضاف أعدادا كبيرة من سكان ولاية سنار، من انقطاع كامل لشبكات الاتصالات والإنترنت منذ يونيو/حزيران الماضي.
وولاية النيل الأزرق من ولايات السودان الجنوبية حسب تقسيم السودان بعد انفصال الجنوب في 2011، وتجاورها من الشمال ولاية سنار ومن الشرق إثيوبيا ومن الغرب والجنوب دولة جنوب السودان عاصمتها هي الدمازين.
تنقسم الولاية إداريا إلى 7 محليات هي: محلية الدمازين، الرصيرص، باو، الكرمك، التضامن، ود الماحي، وقيسان.
محور مدينة الفاشر
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات المسلحة قتل 23 شخصا على الأقل وأصيب العشرات في قصف جديد نفذته قوات "الدعم السريع" ليل السبت وصباح الأحد، استهدف أحياء مأهولة بالسكان في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقالت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، إن الاشتباكات البرية تجددت بوتيرة أكثر عنفا ودموية بين القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة والدعم السريع في الجزء الجنوبي من المدينة.
ومنذ مقتل قائد عمليات قوات "الدعم السريع" في مدينة الفاشر، الجنرال علي يعقوب، في 14 يونيو/حزيران الماضي، شهدت المعارك إطلاق للقذائف المدفعية واستخدام الطائرات المسيرة في الهجوم على الفاشر.
وخلال الأسبوع الماضي، قُتل ما يزيد على 100 شخص وأصيب العشرات جراء القصف العشوائي لقوات "الدعم السريع."
وذكرت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر (نشطاء) في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية" أن المعلومات الأولية للضحايا بسبب القصف المتعمد من قوات الدعم السريع خلال الساعات الماضية بلغت 23 قتيلا ونحو 60 مصابا.
وتسعى قوات "الدعم السريع" التي تفرض حصارا محكما على مدينة الفاشر منذ أبريل/ نيسان الماضي، إلى السيطرة على المدينة الوحيدة في إقليم دارفور غير الخاضعة لسيطرتها.
وأدى الحصار المضروب على الفاشر إلى حدوث ندرة كبيرة في السلع الغذائية والدوائية، وهو ما قاد منظمات دولية إلى إعلان المجاعة في مخيم "زمزم"، أكبر معسكرات الفاشر، وسط مخاوف من أن تطال المجاعة معسكرات أخرى في المنطقة.
ويبلغ عدد سكان معسكر زمزم، الذي يقع جنوب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، على بعد نحو 12 كيلومترا زهاء نصف مليون نازح.
واتهمت وزارة الخارجية السودانية في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، قوات "الدعم السريع" بالوقوف وراء المجاعة التي ضربت معسكر "زمزم" للنازحين لاستمرارها في حصار مدينة الفاشر وإعاقة إيصال المساعدات الإنسانية والدوائية، وهو ما نفته قوات الدعم السريع.
مجاعة كارثية
بينما قالت 17 منظمة عالمية، إن إعلان المجاعة في مخيم زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور غربي السودان، هو جزء قليل من كارثة أوسع تشمل 10 ولايات.
وقالت منظمة الإغاثة الدولية و16 منظمة أخرى، في بيان مشترك، إن "تأكيد المجاعة في مخيم زمزم لا يمثل سوى القليل من كارثة أوسع نطاقًا في جميع أنحاء دارفور وكردفان والخرطوم والجزيرة."
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.