السودان في أسبوع.. حصاد الثورة وكنس الإخوان
أسبوع حافل ومهم في تاريخ الشعب السوداني الذي يواصل بناء دولته ويحصد ثمار حراكه وسط ترحيب إقليمي ودولي
عايش السودانيون خلال أيام الأسبوع المنصرم أحداثاً حاشدة بالتفاؤل والأمل وهم يبدأون حصاد ثمار ثورتهم من خلال تشكيل هياكل الحكم الانتقالي وبدء كنس آثار حكم الإخوان البائد بعد 30 عاماً من القبضة الحديدية على مفاصل السلطة.
وافتتح السودانيون أسبوعهم المنصرم بحفل التوقيع النهائي على وثائق الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير يوم السبت 17 أغسطس/آب الجاري الذي جرى بالخرطوم وسط حضور إقليمي ودولي واسعين.
ووقع عن المجلس العسكري الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، بينما وقع عن قوى الحرية والتغيير أحمد ربيع.
وكان المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير وقعا بالأحرف الأولى يوم الأحد 4 أغسطس/آب الماضي على وثيقة "الإعلان الدستوري" بعد اجتماعات ماراثونية تواصلت ليل نهار، وسط أجواء احتفالية سادت الشارع السوداني.
وحينها، وقع عن المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس وأحمد الربيع ممثل قوى الحرية والتغيير، بحضور ممثلين عن المجموعات الأفريقية والعربية والمنظمات الدولية كشهود على توقيع وثائق المرحلة الانتقالية.
وكان الاتفاق على الوثيقة الدستورية هو آخر مراحل المفاوضات بين الطرفين التي استمرت لمدة 4 أشهر منذ سقوط نظام عمر البشير في 11 أبريل/نيسان الماضي.
جدل ترشيحات السيادي
وحسب المصفوفة الزمنية التي اتفق عليها المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير لتنفيذ الاتفاق الموقع بينهما، يفترض أن يتم تشكيل المجلس السيادي في اليوم الثاني مباشرة للتوقيع النهائي على وثائق الاتفاق.
لكن جدل التباينات بين مكونات قوى الحرية والتغيير حول أسماء المرشحين أخَّر تشكيل المجلس لمدة ثلاثة أيام، حيث تم تشكيله يوم الأربعاء عوضاً عن يوم الأحد.
وسادت أعمال لجنة الترشيحات بقوى الحرية والتغيير ربكة جراء الأسماء التي قامت بترشيحها للمجلس السيادي، حيث قوبلت بعضها بالرفض المطلق من أغلب مكونات التحالف مثل حالة مرشح تجمع المهنيين طه عثمان الذي اضطر للاعتذار عن عدم قبول التكليف بعد ترشيحه؛ الأمر الذي جعل التجمع يعود إلى مرشحه الأول محمد حسن التعايشي.
وبعد الانتهاء من ترشيحات قوى الحرية والتغيير أدى يوم الأربعاء 9 من أعضاء المجلس السيادي اليمين الدستورية أمام رئيس المجلس الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس القضاء عباس علي بابكر بالقصر الرئاسي في الخرطوم.
بينما غاب عن أداء القسم محمد حسن عثمان التعايشي رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وقيادي سابق بحزب الأمة القومي؛ بسبب تواجده خارج البلاد، ولم يتمكن من أداء القسم إلا في اليوم الثاني "الخميس".
وكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قد استبق الجميع وأدى اليمين الدستورية رئيساً للمجلس السيادي بالسودان الذي يدير المرحلة الانتقالية لمدة 3 سنوات ونصف.
وتضم عضوية المجلس السيادي كلا من: الفريق أول محمد حمدان دقلو، الفريق ركن شمس الدين كباشي، الفريق ركن ياسر عطا، اللواء إبراهيم جابر كريم، الأستاذ حسن محمد إدريس، الدكتور الصديق تاور كافي، الأستاذ محمد الفكي سليمان، الأستاذ محمد حسن عثمان التعايشي، الأستاذة عائشة موسى السعيد، وأخيراً الأستاذة رجاء نيكولا عيسى عبدالمسيح.
محاكمة البشير
وفي ظل هذه الاحتفالية بحصاد زرع الثورة السودانية، جرت أول جلسة لمحاكمة المعزول عمر البشير بتهم حيازة العملات الأجنبية والفساد وتلقي الهدايا بشكل غير قانوني، وذلك بعد سلسلة من التأجيل لجلسات المحاكمة.
وظهر البشير لأول مرة خلف القفص الحديدي داخل المحكمة المخصص للمهتمين، فيما كانت الجلسة مفتوحة للإعلاميين وتم نقلها على شاشات التلفزة مباشرة.
وخلال جلسة الاستماع التي استمرت ساعتين، حاصرت عشرات السيارات من القوات العسكرية السودانية المحكمة وأغلقت المركبات المسلحة الطرق المحيطة بها.
ولم يكترث السودانيون كثيراً لإجراءات المحاكمة لأن البشير متهم في قضايا أكبر من التي تجري محاكمته بشأنها، بينها اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وقامت القوات المسلحة السودانية في 11 أبريل/نيسان الماضي بعزل البشير من الحكم على إثر تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية ووصول الجماهير إلى محيط القيادة العامة للجيش وسط العاصمة الخرطوم.
تعيين رئيس القضاء والنائب العام
وفي اللحظات التي كان يدور فيها الجدل بين مكونات قوى الحرية والتغيير حول المرشحين للمجلس السيادي، برزت معضلة جديدة حول تعيين رئيس القضاء والنائب العام.
ورفض المجلس العسكري الانتقالي مخالفة مواد الوثيقة الدستورية، وامتنع عن تعيين المرشحين في المنصبين بواسطة قوى إعلان الحرية والتغيير، حيث أقرت نصوص الوثيقة الدستورية بأن رئيس القضاء والنائب العام يتم اختيارهما بواسطة مجلسي القضاء والنيابة، وقد أصبحت الوثيقة الدستورية سارية منذ لحظة التوقيع النهائي عليها.
ورشحت قوى إعلان الحرية والتغيير كلا من القاضي عبدالقادر محمد أحمد لمنصب رئيس القضاء والمحامي محمد الحافظ محمود لمنصب النائب العام، إلا أن المجلس العسكري رفضهما.
وتضمنت قائمة المرشحين التي رفضها المجلس العسكري أيضا كلا من سهام عثمان أحمد وطارق يوسف دفع الله ومصعب عمر عبدالله لمنصب مساعد للنائب العام.
حمدوك.. قائد السفينة
في عشية يوم الأربعاء الذي أدى فيه أعضاء مجلس السيادة اليمين الدستورية وصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم الخبير الأممي عبدالله حمدوك الذي تم التوافق عليه من قبل شركاء المرحلة الانتقالية رئيساً الوزراء.
وكان في استقباله لدى وصوله إلى مطار الخرطوم عشرات السودانيين للترحيب به؛ ابتهاجاً بتعيينه في المنصب.
وقال حمدوك خلال مؤتمر صحفي إنه عاد إلى البلاد "تلبية لنداء الوطن"، ووعد المواطنين بـ"سودان يسع الجميع".
ودعا حمدوك السودانيين إلى العمل المشترك، مضيفاً: "لنعمل مع بعضنا؛ لنعبر بالبلاد إلى آفاق أرحب، ونبني نظاماً ديمقراطياً متعدداً متفقاً عليه".
وشدد رئيس الوزراء السوداني على أهمية بناء مشروع وطني، قائلاً: "منذ فجر الاستقلال لم ينجح السودانيون في بناء مشروع وطني متوافق عليه".
وتابع "البلد دي بتشيلنا كلنا.. مع بعض يُمكن أن نصنع المعجزات"، مشيراً إلى شعوب عديدة كانت تعيش ظروفاً مشابهة لظروف بلاده استطاعت العبور ببلدانها إلى واقع أفضل".
ويرى الكاتب الصحفي والمحل السياسي صلاح شعيب أن خطاب حمدوك بعد أداء القسم رئيساً للوزراء اشتمل على رسائل عدة مهمة، جانب منها متصل بالمؤثرين على المستوى المحلي وكذلك الإقليمي والدولي.
وذكر أن الخطاب يشير إلى أن السودانيين أبحروا في مرحلة جديدة من تاريخهم شديدة الخصوبة سياسياً، كما أنها مواجهة بتحديات جمة وتحفها آمال عريضة.
وأضاف "إذ تترسم بعض ملامحها هذه الأيام بشكل ناصع بعد أداء المجلس السيادي ورئيس الوزراء اليمين الدستورية، ولعل العنوان الأبرز لهذه المرحلة هي قدرة التيارات السياسية جميعها والجماعات والأفراد في توظيف مناخ الفترة الانتقالية لتحقيق التطلعات الوطنية عموماً، خاصة تلك التي لم تتحقق بأوامر ثورية".
ترحيب أفريقي
واعتبر الاتحاد الأفريقي أن "التوافق على عبدالله حمدوك رئيساً لوزراء الحكومة الانتقالية في السودان تتويج للإنجاز التاريخي بعد أشهر من المفاوضات بين جميع الأطراف في البلاد".
وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي: "إن اختيار حمدوك جاء نتيجة عزم الشعب السوداني الثابت خاصة النساء والشباب على الانتقال الديمقراطي".
ويشغل حمدوك حالياً رئاسة اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة في أفريقيا بأديس أبابا، وهو من الكفاءات السودانية البارزة تخرج في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.
وكان حمدوك قد اعتذر عن عدم تولي منصب وزير المالية عندما اختاره الرئيس المخلوع عمر البشير العام الماضي.
ترحيب أمريكي
ورحبت كذلك واشنطن، الأربعاء، بتشكيل السودان المجلس السيادي، ووصفت تلك الخطوة بأنها "مهمة".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس: "إن واشنطن تعرب عن دعمها للشعب السوداني وترحب بخطوة تشكيل المجلس السيادي".
اجتماعات مجلس السيادة
وعقب أداء أعضاء مجلس السيادة مباشرة لليمين الدستورية، بدأوا في عقد الاجتماعات الرسمية إذ ترأس الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الأربعاء، أول اجتماع للمجلس السيادي السوداني بالقصر الرئاسي بعد أداء أعضائه اليمين الدستورية.
وتواصلت الاجتماعات يوم الخميس بعد اكتمال عقد المجلس بأداء العضو رقم 11 محمد حسن التعايشي اليمين الدستورية بعد تخلفه يوم الخميس لغيابه خارج البلاد.
وتداول أعضاء المجلس السيادي خلال الاجتماع مجمل الأوضاع التي خلفها سقوط النظام السابق والفراغ الإداري والدستوري الذي تمر به البلاد، بالإضافة للأوضاع الاقتصادية المزرية وتردي الأحوال المعيشية والحياتية للمواطنين.
وقال عضو المجلس محمد حسن التعايشي في تصريحات صحفية عقب انتهاء الاجتماع: "إن أعضاء المجلس تعاهدوا خلال الاجتماع على العمل معاً لتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المتعلقة بالاستقرار السياسي والنهضة الاقتصادية".
وأضاف "معالجة قضايا الحرب والسلام تمثل المدخل الصحيح للتسوية السياسية الشاملة بالبلاد وتمهد لفتح طريق جديد للتنمية والنهضة".
وأشار التعايشي إلى أن معالجة الفساد الإداري والاقتصادي الذي يعاني منه السودان لا يمكن أن يتم بالنوايا وحدها وإنما يحتاج إلى جراحات عميقة في الجوانب الدستورية والهيكلية والإدارية تفضي إلى معالجات جذرية لقضية الفساد.
أحداث بورتسودان
وفي نهاية الأسبوع السوداني وقعت أحداث مؤسفة في مدينة بورتسودان شرقي البلاد نتيجة صراع بين اثنين من المكونات الاجتماعية للمدينة خلفت قتيلاً وعشرات الإصابات.
وعلى الفور أرسل المجلس السيادي وفداً إلى بورتسودان للوقوف على التوترات الأمنية بالمدينة، وعقد اجتماعات مكثفة مع المسؤولين بالولاية.
وضم الوفد عضو المجلس الفريق شمس الدين كباشي والمستشار القانوني حسن شيخ إدريس، إضافة إلى رئيس أركان القوات البرية ونائب مدير جهاز المخابرات ومدير الشرطة.
ونشر الجيش قواته في كل تقاطعات بورتسودان خاصة حي الرياض الذي تقطنه قبيلة "البني عامر" وحي الفِلب الذي تقطنه قبيلة "النوبة"، وفصل بين الطرفين.
كما قررت حكومة الولاية فرض حظر التجوال في المدينة بدءاً من السابعة مساءً حتى الرابعة صباحاً.
aXA6IDMuMTM1LjIwOS4xMDcg جزيرة ام اند امز