السودان في أسبوع.. تجدد الخلافات والمعارضة تلوح بـ"عصيان مدني"
الشارع السوداني يمضي في خيارات المواجهة المفتوحة دون اكتراث، ويصعد وتيرة مقاومته السلمية
شهد الأسبوع الماضي تجدد الخلافات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات في السودان حول تشكيل السلطة الانتقالية.
- "العسكري" السوداني يلغي تجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية
- "المهنيين السودانيين" يتأهب للإضراب السياسي والعصيان المدني
ومع انسداد أفق التفاوض وتعليق جلسات الحوار الثنائي بين الجانبين منذ الإثنين الماضي لجأ الطرفان إلى التلويح بخطوات تصعيدية في مواجهة الآخر، في محاولة كسر جمود المحادثات.
وفي الوقت الذي بدأت "قوى الحرية والتغيير" ترتيبات فعلية للإضراب السياسي وصولا لعصيان مدني شامل، لوح المجلس العسكري الانتقالي بإجراء انتخابات مبكرة حال تعثر التوصل لاتفاق مع قادة الاحتجاجات بشأن السلطة الانتقالية.
وبدت هذه التجاذبات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير مقلقة بعض الشيء لكثير من الدوائر السودانية، التي رأت بأن إطالة أمد التفاوض والتمسك بالمواقف من قبل الطرفين سيقود إلى نتائج غير محمودة، أقلها "ثورة مضادة" تنسف ما تحقق.
وفي مقابل ذلك، يمضي الشارع السوداني في خيارات المواجهة المفتوحة دون اكتراث، وصعد وتيرة مقاومته السلمية والتمسك بالاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم إلى حين تحقيق مطالب الثورة التي يجيء في مقدمتها نقل السلطة لحكومة مدنية.
مجلس السيادة يباعد بين الأطراف
تركزت خلافات المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير -حسب نتائج آخر جولة تفاوضية يوم الإثنين الماضي- في نسب التمثيل ورئاسة مجلس السيادة "رأس الدولة"، حيث يتمسك كل طرف بالأغلبية فيه.
واقترحت قوى الحرية والتغيير مجلس سيادة من 10 أعضاء، 7 مدنيين و3 عسكريين ورئيس مدني، بينما المجلس العسكري عكس ذلك تماما حيث يتمسك بأغلبية ورئاسة "رأس الدولة".
وفي جولة سابقة، اتفق الطرفان على سلطة انتقالية مدتها 3 سنوات، وهياكل حكم بـ3 مستويات "تنفيذي، تشريعي، سيادي".
وأقر الاتفاق تشكيل مجلس وزراء كامل من قوى إعلان الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات، ومنحها ثلثي أعضاء المجلس التشريعي المقترح من 300 عضو.
ورغم تعليق المفاوضات علانية بين الجانبين، إلا أن مصادر مقربة أكدت لـ"العين الإخبارية" استمرار مشاورات سرية عبر لجان فنية مشتركة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، وستعلن جلسة محادثات حاسمة خلال الساعات المقبلة.
ووفق المصادر تم طرح مقترح تفاوضي جديد يقضي بتولي رئاسة مجلس السيادة للعسكريين وأغلبية عضوية للمدنيين، على أن تتخذ قراراته بالتوافق.
سلاح العصيان المدني
لم يكتفِ تجمع المهنيين السودانيين وشركائه في قوى إعلان الحرية والتغيير بالاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم، بينما قرر تصعيد الحراك السلمي الأسبوع الماضي بالدعوة إلى الترتيب للعصيان المدني بعد تعثر مفاوضات انتقال السلطة مع المجلس العسكري الانتقالي.
وفي استجابة سريعة، أبدت قطاعات واسعة في السودان جاهزيتها لتنفيذ إضراب سياسي وعصيان مدني عند لحظة الصفر، من أجل تحقيق مطالب الثورة.
ووقع في "دفترة العصيان المدني" قطاعات حيوية بينها الأطباء والصيادلة، والكهرباء والمواصلات وأساتذة جامعات والإعلاميين ومصارف وشركات اتصال، والزراعيين، وسلطات الملاحة الجوية، وعاملين بالوزارات.
وحسب بيان لتجمع المهنيين صادر الأربعاء الماضي، فإن نحو 45 من المؤسسات الحكومية والخاصة أبدت جاهزيتها التامة للإضراب السياسي وصولا للعصيان المدني الشامل من أجل تحقيق مطالب الثورة بنقل السلطة للمدنيين، واستمرت التعبئة للتصعيد حتى الخميس الماضي.
ووفق شهود عيان، فقد انتظم موظفون في القطاع العام والخاص وأساتذة جامعات سودانية خلال أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس في وقفات احتجاجية داعمة للحراك الثوري، ومؤيدة للخطوات التصعيدية بالدخول في الإضراب السياسي.
المجلس العسكري يحذر من الإضراب
وفي مقابل ذلك، حذر نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي بالسودان محمد حمدان حميدتي، الموظفين ببلاده من مغبة الإضراب، الذي وصفه بأنه وسيلة غير مقبولة في الاحتجاج.
وتوعد حميدتي -خلال مخاطبته جنودا من قوات الدعم السريع التي يقودها، ليل الثلاثاء الماضي- بفصل أي موظف حكومي يدخل في إضراب ويستبدله بآخر.
وقال "الوضع ليس كالسابق.. لدينا بدلاء موجودون كمهندسي الكهرباء، وأي شخص يضرب يذهب إلى منزله"، في إشارة لفصله عن العمل.
وأشار إلى أن من حق الناس الاحتجاج، ولكن الإضراب مرفوض، قائلا "مثلا الطب مهنة إنسانية، فكيف يضرب طبيب ويترك مريضا على الفراش؟".
تلويح بانتخابات مبكرة
وربما لمواجهة التصعيد الذي قامت به قوى الحرية والتغيير تداولت وسائل إعلام سودانية أن المجلس العسكري الانتقالي قد يطرح انتخابات مبكرة حال فشل التفاوض مع قادة الاحتجاجات بشأن تشكيل السلطة الانتقالية.
هذا الخيار يعتبره مراقبون بمثابة الطرح التكتيكي، لأنه لن يجد طريقا إلى الواقع، كون الانتخابات ستواجه بمقاطعة قوى الحراك، وستستمر الاحتجاجات وبما يؤدي ذلك لعدم استقرار السودان.
النفق المظلم
وحذر الخبير الأمني والبرلمان السوداني السابق الفريق خليل محمد الصادق من مغبة إطالة أمد التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، لأن ذلك سيقود إلى نتائج سيئة ويدخل البلاد في نفق مظلم بفضل مساعي الثورة المضادة التي يقودها فلول النظام السابق.
واعتبر الصادق، خلال حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن الطرفين أنجزا أكثر من 90% من القضايا العالقة واتفقا عليها، ولا ينبغي إضاعة مستقبل البلاد بسبب خلافات محدودة.
واقترح تشكيل مجلس سيادة من 5 أعضاء فقط، 3 مدنيين و2 عسكريين، وبرئاسة عسكرية.
وشدد على ضرورة أن يتم اتخاذ القرار بالتوافق حتى يتم تفادي حالة عدم الثقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
واعتبر أن تعثر المفاوضات المتكرر قد يؤدي إلى عواقب وخيمة من الصعب التحكم فيها، في ظل الظروف الحالية من شحن وتعبئة.
بدوره، رأى السياسي السوداني مبارك النور عبدالله ضرورة تقديم تنازلات حقيقية من جانب الطرفين، حتى لا تضيع البلاد وتنزلق إلى وضع يصعب السيطرة عليه بسبب خلافات سلطوية.
وقال النور، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إن التصعيد وحالة الاستقطاب التي تشهدها البلاد حاليا تستوجب على المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير استئناف المفاوضات بأعجل ما تيسر وإبرام اتفاق يحقق مطالب الشعب السوداني.
aXA6IDE4LjE4OS4xOTQuNDQg جزيرة ام اند امز