عند تولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حكم إمارة الشارقة في 25 يناير/كانون الثاني 1972، ألقى خطابًا مؤثرًا أظهر فيه رؤيته القيادية وحكمته. ومن أشهر ما قاله في ذلك اليوم: «لن أكون حاكمًا عليكم، بل سأكون خادمًا لكم».
هذه المقولة تعكس تواضعه وإحساسه العميق بالمسؤولية تجاه شعبه، وأظهرت التزامه بخدمة المواطنين والعمل على رفاهيتهم، ما جعل هذه العبارة رمزًا لحكمه الذي تميز بالعطاء والعمل المستمر من أجل بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
ولد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة في الثاني من يوليو/تموز 1939 في مدينة الشارقة. تربى في بيئة تحفز على الوطنية وحب العلم، حيث بدأ تعليمه في مدرسة الإصلاح القاسمية عام 1948.
تتلمذ على يد علماء مثل الشيخ فارس بن عبدالرحمن في دراسة القرآن الكريم. انتقل بين الشارقة والكويت لتلقي تعليمه الإعدادي والثانوي، ثم سافر إلى مصر ليحصل على درجة البكالوريوس في الزراعة من جامعة القاهرة عام 1965. وحصل لاحقًا على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعتي إكستر ودرهام في المملكة المتحدة.
عمل حاكم الشارقة كمدرس للغة الإنجليزية والرياضيات في المدرسة الصناعية بالشارقة، وتولى رئاسة البلدية عام 1965. وعند قيام الاتحاد عام 1971، عُين وزيرًا للتربية والتعليم، ليصبح الأول في هذا المنصب في تاريخ دولة الإمارات.
في 25 يناير/كانون الثاني 1972، تولى مقاليد حكم الشارقة وأصبح عضوًا في المجلس الأعلى لدولة الإمارات.
ومن أقواله كذلك عند توليه الحكم: «لقد حملت أمانة الحكم، وأقول لكم: أعينوني عليها، فإنها كبيرة وثقيلة، ولا أستطيع أن أحملها وحدي إلا بتوفيق من الله، ثم بمعاونتكم».
تعكس هذه الكلمات التواضع والصدق في قيادته، وتُظهر إيمانه بمبدأ الشراكة والمسؤولية المشتركة بين الحاكم والشعب. كما أنها تؤكد رؤيته بأن النجاح في الحكم يعتمد على تعاون الجميع لخدمة المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار.
خلال فترة حكمه، شهدت الشارقة تطورًا كبيرًا في مجالات مختلفة:
أسس جامعة الشارقة ودعم البنية التحتية التعليمية عبر بناء مدارس ومعاهد. وأنشأ مكتبة الشارقة، ومتحف الشارقة للفنون، وغيرها من المؤسسات الثقافية التي جعلت الشارقة مركزًا ثقافيًا، وطور الطرق، والموانئ، والمطارات، بما في ذلك مطار الشارقة الدولي، وعزز السياحة من خلال إنشاء متنزهات وأماكن تراثية، والتركيز على الحفاظ بالبيئة، وجذب الاستثمارات ودعم الصناعات المحلية.
يُعرف حاكم الشارقة بعطائه الإنساني واهتمامه بشؤون المواطنين. سمعنا عن مداخلاته في برامج إذاعية تتناول شكاوى الشعب وتقديم الحلول لهم بسرعة وبجرة قلم.
إنجازاته لم تقتصر على التنمية المادية، بل امتدت إلى تنمية الفرد والمجتمع بمفهومه الواسع. وفي الوقت الحالي، يستمر الحاكم العادل في قيادة الشارقة مع تركيز على التنمية المستدامة والابتكار، مع دعم قوي للعلوم والتكنولوجيا. إنجازاته تعكس رؤيته لمستقبل مشرق لإمارته وللإمارات العربية المتحدة بأكملها، ويظل دعامة أساسية في الاتحاد والتعاون بين الإمارات.
يُلقب بـ«حاكم الثقافة» لدوره الكبير في تعزيز المعرفة والعلوم. حيث أنشأ جامعة الشارقة والجامعة الأمريكية في الشارقة، وهما من أبرز المؤسسات الأكاديمية في المنطقة. وأسس العديد من المراكز الثقافية، مثل مؤسسة الشارقة للفنون ومعهد الشارقة للتراث. وأطلق مشروع الشارقة عاصمة الثقافة العربية في عام 1998، مما جعل الإمارة مركزًا ثقافيًا على مستوى العالم العربي.
قاد تحولات كبيرة في البنية التحتية لإمارة الشارقة، مع التركيز على التنمية المستدامة. ووجه بتطوير حدائق ومتنزهات ومشاريع بيئية تحافظ على الطابع الطبيعي للمنطقة. ودعم مشاريع الإسكان والبنية التحتية لتعزيز رفاهية سكان الإمارة.
قامت الشارقة بتمويل بناء مسجد في مدينة فولسبورغ بألمانيا، وهو مركز إسلامي جديد افتتحه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في 25 يونيو/حزيران الماضي. وهذا المسجد لم يكن فقط مبنى للعبادة، بل هو مركز للتنمية الثقافية والاجتماعية للجالية المسلمة في تلك المنطقة، حيث ظل هذا حلمًا لأكثر من ثلاثة آلاف مسلم من أبناء الجالية العربية.
وبهذا، يمكن القول إن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي قدم نموذجًا فريدًا للقيادة، مزج بين الحكمة السياسية والإدارية والعطاء الإنساني، مما جعل من الشارقة نموذجًا للتنمية والحضارة في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة