بالإجماع، صدّق مجلس الشيوخ يوم الأربعاء الموافق 22 يناير/كانون الثاني على تعيين ماركو روبيو وزيراً للخارجية الأمريكية.
ولا شك أن ذلك الإجماع يعكس دعم الكونغرس للسياسات الخارجية للرئيس دونالد ترامب في فترته الثانية، ذلك أن روبيو جمهوري متحمس ويشارك ترامب توجهه نحو تعزيز مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً. ما يعني أن السلطة التنفيذية والتشريعية وهما المسؤولتان عن مراقبة السياسة الخارجية الأمريكية سنداً لقرارات الرئيس ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة.
لخص ماركو روبيو مهمته في "خدمة مصلحة بلاده الوطنية، وإذا تقاطعت مصالح بلاده مع مصالح الآخرين سيعمل معهم ومن تلك المصالح تطوير السلام وتفادي الصراعات والأزمات". لكن يظل الإرث السياسي الأمريكي حاضراً وله بصمته في مهمة روبيو (مثل غيره من وزراء الخارجية الأمريكية) فيما يخص مسلمات العلاقات الخارجية الأمريكية. ومن أهمها بصفة خاصة العلاقة مع إيران، التي رسم مرتكزاتها قبل نصف قرن الرئيس الأسبق (الديمقراطي) جيمي كارتر. وكان أبرزها عدم السماح لإيران بتهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وطوال العقود الخمسة الماضية، لم يجرؤ رئيس أو وزير خارجية أمريكي سواءً من الجمهوريين أو الديمقراطيين على تغيير ذلك النهج، بمن فيهم الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي أبرم اتفاقا نوويا مع إيران عام 2015.
المرتكز الثاني الجوهري بالنسبة للإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية، هو أمن إسرائيل، حيث تعتبره واشنطن أحد المقومات الأساسية للاستقرار في المنطقة، ولا ينبغي تهديده أو العمل ضده. بل إن العداء الأمريكي لإيران تطور بشكل كبير بعد عام 2002 حينما ظهرت النوايا الإيرانية في امتلاك قدرات نووية (وربما سلاح نووي). لكن تأجل التعامل الأمريكي مع تلك النوايا بسبب رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في التعاون مع إيران ضد حكم طالبان في أفغانستان، ثم بعد ذلك إسقاط نظام صدام حسين.
وفي الوقت ذاته، كانت واشنطن تعتقد في مبدأ "اشتر واحدة تأخذ أخرى مجاناً" وكان يقصد به أن إسقاط النظام في بغداد سيتبعه سقوط النظام في طهران بفعل اتباع سياستي "الاحتواء المزدوج" والعقوبات الاقتصادية، ولكن هذا لم يحدث.
الجديد، أن الرئيس دونالد ترامب طوّر نهجه السياسي الخارجي في جعل أمريكا قوة عظمى عما كان في فترة رئاسته الأولى، خاصة ما يتعلق بالحرص على "السلام العالمي". فقد كان في ولايته الأولى (2016 – 2020) يعلن صراحة أن المصلحة الأمريكية فوق كل شيء وقبل أي دولة وأي طرف، أما هذه المرة فهو يبدي حرصه على أمن وسلام العالم أيضاً، لكن دون توريط بلاده في حروب. بل إنه سيسعى للعمل مع الجميع، وأكد استعداده للتفاوض حتى مع إيران. وخلاصة هذا الموقف أن الأمر الآن بيد النظام في إيران، أخذاً في الاعتبار نقطتين اثنتين:
النقطة الأولى: أياً كانت مواقف ترامب الجديدة، هو يريد أن يجعل بلاده "عظيمة". وهو معزز في ذلك بإدارته الحالية التي أغلبيتها، إن لم تكن كلها، من "صقور" الجمهوريين.
النقطة الثانية: وهي الأهم في نظري، أن ترامب شخص من الصعب توقع سياساته. وهي مسألة مهمة خصوصاً أن الخيار العسكري حاضر دائماً لدى مختلف الإدارات الأمريكية. بينما إيران الآن في أضعف حالاتها بعد القضاء على أذرعها العسكرية في المنطقة خاصة "حزب الله اللبناني"، ومليشياتها في سوريا، والفصائل المسلحة في فلسطين.
محصلة كل ذلك، أن العلاقة الأمريكية-الإيرانية تُجسد نمطاً مختلفاً وصادماً في إدارة العلاقات الدولية، فالعداء بينهما قائم منذ الانقلاب الخميني على حكم الشاه عام 1979. وتشتد العداوة أحياناً إلى درجة يتوقع معها نشوب حرب عسكرية، ولكن الثابت تاريخياً أن أياً منهما لم يعتدِ قط على الآخر. بل كانت العلاقة تشهد أحياناً نوعاً من التعاون كما في حالتي إسقاط حكم طالبان في أفغانستان وكذلك إسقاط نظام صدام حسين في العراق. فهل تستطيع أن تحافظ تلك العلاقة على هذا النمط المتفرد، في ظل إيران الضعيفة وترامب في نسخته الجديدة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة