كنا في هذه المساحة قد تابعنا في مقالات عديدة، بالتصنيف والتحليل، إعلام جماعة الإخوان الموجه من خارج مصر إلى داخلها بمختلف وسائله التقليدية والإلكترونية، سواء كان القائمون عليه من أعضاء الجماعة أو من بعض "الملتحقة" بها لأسباب شتى.
وتأكد تماماً من كل تلك المقالات، أن "جوهر وجود" هذا الإعلام هو التفرغ الكامل لمهاجمة نظام الحكم في مصر والتحريض عليه بكل السبل التي يصل إليها، بغض النظر عن مشروعيتها أو صدقها أو دقتها، سعياً وراء "وهم" التخلص من هذا النظام وعودة الجماعة للاستيلاء عليه، بعد أن أسقطها المصريون منه بثورتهم العظيمة في 30 يونيو 2013.
وفي المقالة الحالية، والتي هي قبل الأخيرة في هذه السلسلة من المقالات، نحلل إعلام الإخوان هذا منظوراً إليه عبر زاويتين: الأولى واحدة من أشهر الأساطير اليونانية وهي أسطورة سيزيف، والثانية هي رواية "صورة دوريان جراي" إحدى أشهر الروايات عالمياً والوحيدة للكاتب والمسرحي الإيرلندي الأشهر، أوسكار وايلد.
فأما سيزيف، فهو في الأسطورة اليونانية الأشهر، أحد أشهر شخصياتها مكراً ودهاءً، وارتكب من جرائم القتل والاغتصاب والسرقة في حق الكثيرين بمن فيهم الأقربون إليه، وامتد خداعه حتى إلى "إله الموت" عند الإغريق. وقد جرب معه "كبير الآلهة زيوس" كل أشكال العقاب، إلا أنها لم تنل منه وتوقف أفعاله الخبيثة الإجرامية، الأمر الذي دفعه إلى ابتكار عقاب جديد له، بعد أن أصبح لا يموت، وهو أن يحمل صخرة ثقيلة يصعد بها من أسفل جبل الأوليمب إلى قمته، وكلما اقترب منها تدحرجت إلى الوادي، فيعاود رفعها إلى القمة، لتتدحرج مرة أخرى، ويظل هكذا إلى الأبد، في عذاب لا ينتهي.
وأصبح اسم سيزيف وكل ما يرتبط به طبقاً لهذه الأسطورة، مرادفاً للحيرة الأبدية والخضوع للعقاب بلا نهاية، والاستمرار في أداء الأفعال والأنشطة التي لا تصل أبداً إلى هدفها، بما يصل بأصحابها إلى حالة وجودية عبثية لا يوجد أي معنى ولا مقصد لها، وأضحى كل ما يوصف بأنه "سيزيفي" تنطبق عليه كل هذه السمات والدلالات.
ويعتقد الكاتب أن العلاقة جلية لا تحتمل اللبس بين إعلام الإخوان، وبين سيزيف وأفعاله وجوهر أسطورته، بكل تلك السمات والدلالات. فنحن إزاء إعلام ظل منذ انطلاقه عام 2013 وحتى اليوم، لا يفعل يومياً سوى ما كان سيزيف يفعله على جبل الأوليمب، حيث يتوهم في كل مرة أنه وصل إلى القمة، ليتفاجأ بأنه ينحدر من جديد مع صخرته بسرعة إلى الأسفل. يتخيل القائمون على هذا الإعلام ومن هم وراءه، أنهم في نهاية كل يوم من بثه، وبعد استخدام كل أدوات ووسائل الدعاية والتقويض الكامل لكل القواعد المهنية والأخلاقية للإعلام الحقيقي، أنهم قد وصلوا لقمة الجبل وتحقيق الهدف، وهو "وهم" التخلص من حكم مصر وعودة الجماعة للاستيلاء عليه. ومع انقضاء الليل وشروق يوم جديد، يعود هؤلاء إلى الواقع، حيث يكتشفون أنه كما هو لم يتغير وأن "وهم" ليلة الأمس لم يتحقق قط، وأنهم قد انهاروا إلى السفح ومعهم صخرتهم، وأن عليهم الصعود بها من جديد في المساء إلى قمة الجبل.
وكما يفعل سيزيف بالضبط، بالإصرار على محاولة الوصول لقمة الجبل بصخرته الثقيلة دون أي جدوى، لم يتوقف إعلام الإخوان لأكثر من عشر سنوات عن استسلامه لقدره المحتوم في الفشل اليومي عن تغيير أي شيء يذكر في مصر يخص نظام الحكم بها. وبالرغم من هذه الحقيقة الدامغة، يواصل هذا الإعلام بكل سماته وملامحه التي أفضنا في تحليلها عبر عشرات المقالات، متلبساً وهم سيزيف واعتقاده المتعجرف بأنه الأكثر ذكاء والأكثر تأثيراً والأقدر فعلاً، لكي يكرر مساء كل يوم ما فعله في المساء السابق من دعاية فجة وتحريض سافر، وليكتشف صباح اليوم التالي أنه قد عاد من حيث بدأ، إلى سفح الجبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة